أنطون الخوري حرب
منذ 28 سنة، وعيد الميلاد يحلّ على مسيحيي لبنان وهم خارج دائرة الأمان. أفكارهم مشوّشة بالقلق على أوضاعهم السياسية وعلى وضع بلدهم. فبعد عام 1978، كان عيد الميلاد يحمل معه عيديّة تختلف بكل شيء عن مثيلاتها في بلدان أخرى . إذ إنه في زمن الحرب اللبنانية كان المسيحيون يمضون أعيادهم في الملاجئ، ومستشفياتهم مستنفرة، وصلاتهم تدعو الى الخلاص من شبح الموت، في حين يمضي مسيحيو العالم الآمنون أعيادهم الميلادية في أجواء الفرح والرجاء بالتجدد والمحبة.
وبعد انتهاء الحرب وحلول جمهورية الطائف، كان المسيحيون يتخوفون من عيد الميلاد كلما اقترب، لأنهم اعتادوا أن يروا شبابهم في المعتقلات السياسية. ذلك أن قاموس السلطة آنذاك لم يكن يستوعب مصطلحات الحرية والسيادة والاستقلال، الى جانب مصطلحات المحبة والتسامح وتنقية القلوب. فمن لا يتذكر الرئيس السابق الياس الهراوي يعايد البطريرك الماروني نصر الله صفير في المناسبة، معلناً مسؤوليته الكاملة عن الاعتقالات التي كانت تطاول ناشطي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، بينما أبواب الصروح الدينية المارونية موصدة لعدم تقبل تهاني العيد، والشباب المسيحي في سجون الرأي. وحده ميلاد عام 2005 كان خالياً من الاستثناءات المعتادة لدى مسيحيي لبنان. فالتيار الوطني وجمهوره كانوا سعداء بعودة قائدهم من منفاه القسري، وهم كانوا فرحين أكثر لأن «القائد» الذي كان منفياً، وممنوعاً من الكلام، ومحالاً على القضاء، محمّلاً كل اتهامات التآمر والتحريض على «جلال» النظام، أصبح الزعيم الماروني الأكبر في تاريخهم، حائزاً على أكبر كتلة نيابية مسيحية.
والقوات اللبنانية سعيدة بالعفو عن رئيسها المسجون طوال 11 عاماً، والذي عاد الى الدور السياسي مترئساً كتلة نيابية ومشاركاً في الحكومة. أما بكركي، فكانت منصرفة وللمرة الأولى منذ بداية عهد صفير، الى التحضير للعيد من دون أن يكون بالها السياسي مشغولاً. أما مسيحيو السلطة أثناء الوجود السوري ، فكانوا أيضاً هانئين بالعيد بعدما وجدوا ملجأهم في حمى كل من السلطة والمعارضة. لكن، بالطبع، لم يكن مشوار الهناء المسيحي ليدوم طويلاً بحسب تركيبة المسيحيين وتاريخهم السياسيين. فالانقسام تجلّى في صفوفهم بحلّة جديدة قديمة، قوامها عدم الاتفاق على السلطة. وأكثر من ذلك عدم الاتفاق على الوطن. ففي حين يريد بعضهم أن تكون السلطة ويكون الوطن للجميع، يريد بعضهم الآخر حذف أخصامه.
لكن البديل من المعايدة المسيحية الجامعة لهذا العام، هو المعايدة الميلادية الوطنية التي يمارس طقوسها الفرقاء المسيحيون في وسط بيروت، حيث يحتفل التيار الوطني الحر وتيار المردة مع حزب الله وحركة أمل وبعض رموز الطائفة السنية والدرزية مع بعضهم بعضاً، قي مقابل احتفال القوات اللبنانية ومسيحيي 14 آذار مع تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي. وقد قدّر لوسط بيروت أن يشهد التقاء الطوائف في الأعياد الخاصة بكل منها، وهذا تطور مشهدي جميل، ولو كان على خلفية الانقسام العام في البلاد. فحاجة الطوائف بعضها لبعض تقوم على أساس سياسي وتنسحب على البعد الاجتماعي.
قد ينفرط عقد المعارضة إذا ما فشل تحركها في تحقيق أهدافه، كما قد ينفرط عقد 14 آذار إذا فازت المعارضة بمطالبها، لكن ما لن ينفرط هو الفولكلور التقليدي الذي يلازم المناسبات الاجتماعية. ذلك أن أية جولة خلافية مقبلة ستحتم على زعيم كل طائفة مهما توسعت رقعة زعامته التحالف مع طائفة أخرى من أجل التوازن مع التحالفات المقابلة.
يروي المسيحيون القدماء أسطورة تقول إنه حين يسطع نجم المجوس في السماء، يغمض المسيحي المؤمن عينيه ليتمنى أن تتحقق أحلامه. فهل بتنا بحاجة إلى أسطورة مماثلة لنحلم بنهاية الوطن الطائفي؟