عرفات حجازي
قال عمرو موسى كلمته ومشى. تهذيبه منعه من توجيه إصبع الاتهام إلى معرقلي مهمته، حاذر أن يلقي اللوم على فريق دون آخر، فرمى بكرة النار إلى ملعب الفريقين. لم يغلق الرجل الباب نهائياً أمام مبادرته التي قال إنها أنتجت إطاراً للتفاهم، لكنه كوّن انطباعاً بأن هناك نيات للتصعيد، محذراً من أن ذلك ستكون له ارتدادات عاصفة وخطيرة على لبنان.
لم يتحدث عن نجاح تحقق، ولم يقل إنه فشل، لكنه أوحى بكمٍّ هائل من العوائق والجدران التي عطلت قدرته على الإنجاز، لافتاً إلى حجم المشاكل والتعقيدات التي تحتاج إلى جهود إضافية محلية وعربية وإقليمية ودولية، وقبل كل شيء إلى إعادة مد الجسور المقطوعة بين أطراف النزاع وإلى الحد من المداخلات والتدخلات الخارجية التي تقود المنازلة على الساحة اللبنانية.
موسى لم يؤكد أنه لن يعود، كما لم يحدد موعداً لعودته. ترك الأمر مرهوناً بالتطورات ومدى امكان النجاح في تطبيق خريطة طريق للعمل وضعها فور وصوله الى القاهرة مع مساعدين، تتضمن إجراء دورة من الاتصالات والمشاورات مع بعض العواصم العربية المؤثرة.
يعترف الوسيط العربي بأن الأزمة لا تزال محصورة في قضيتين هما المحكمة الدولية والحكومة الموسعة، وبأن الطرفين توافقا على التوازي والتزامن في معالجتهما، لكن البحث في التفاصيل الإجرائية والآليات لإنجازهما كشف عن عمق الأزمة وأخفى حقيقة التصادم بين مشاريع ومحاور تدور على ساحة المنطقة وتتخذ من لبنان ساحة لتبادل الرسائل الساخنة، فازداد قناعة بأن المعركة أكبر من لبنان وأن معالجات أزمته ستقرر معادلات وتوازنات وادوار دول في منطقة تعيش على خط الزلازل مع جعل الأدوار المحلية تتراجع وتعيد ربط الأزمة اللبنانية بقوس الأزمات الممتد من العراق إلى فلسطين فلبنان، وإن التسوية في لبنان ستنتظر إنجاز تسويات خارجية يبدو أن أوانها لم يأت بعد، أقله في المرحلة الراهنة.
واذا كانت قناعة الوسيط العربي دفعته الى رسم خريطة طريق متدرجة في مبنى من اربع طبقات محلية ــ عربية ــ اقليمية ــ دولية، إلا أنه اكتشف من خلال جولاته المكوكية ومحادثاته الصعبة مع أطراف الأزمة أن عليه أن يعيد النظر في هيكلية بنائه الهندسي للحل بحيث تصبح الطبقة الدولية هي الأساس ومنها الى الطبقة الاقليمية ثم الطبقة العربية واخيراً الطبقة المحلية، لأن لكل طرف محلي ــ كما ظهر ــ قراره الخارجي المتأثر به، ما يعني أن القيادات اللبنانية لا تمتلك القدرة على التحكم بمسار التسوية وطبيعتها.
ويؤكد دبلوماسي عربي متابع لحركة الوساطة العربية ان موسى سيقوم بمهمة مزدوجة خلال فترة الأعياد، فهو ملزم من جهة بإبقاء خطوط الاتصال تعمل بطاقتها القصوى مع الأطراف اللبنانيين لتبريد المواجهة وخفض السقوف والامتناع عن رفع درجة التأزم وابقاء الوضع تحت السيطرة، ومن جهة ثانية سيتابع مسعاه مع بعض الزعماء العرب الذين وعدوا بالتحرك لرأب الصدع في العلاقات بين القاهرة ودمشق والرياض على أمل ان ينتج من هذا التحرك عقد قمة ثلاثية بين حسني مبارك والملك عبد الله وبشار الاسد تمكن من اطلاق مبادرة باتجاه لبنان تؤدي الى التسوية المنشودة.
وفي معلومات الدبلوماسي العربي ان هناك اتصالات سعودية - ايرانية موازية قد تشهد تطوراً ايجابياً في الايام القليلة المقبلة، الامر الذي يسهم في فتح القنوات المسدودة بين الاطراف اللبنانيين، وقد تدفعهم الى تقديم تنازلات متبادلة للالتقاء في منتصف الطريق. وفي قناعة الدبلوماسي العربي ان وقف الانهيارات في الواقع العربي المأزوم واعادة الدفء والحرارة الى المثلث المصري - السعودي - السوري، وتعزيز مناخات الثقة مع ايران، ستدفع حتماً الى تعبيد الطريق بين بيروت ودمشق واستعادة العلاقة الاخوية بينهما بما ينعكس استقراراً في لبنان واطمئناناً في سوريا في ظل رعاية عربية جامعة.
على أن المشكلة المتمثلة بالطبقة الدولية في عمارة عمرو موسى قد لا تجد حلاً لها في المدى المنظور، فالرعاية العربية لوفاق اللبنانيين وتفاهمهم على تسوية تنقصها شبكة أمان اميركية، وليس في الافق ما يشير إلى أن الادارة الاميركية الآن في وضع يسمح لها بمد هذه الشبكة لحماية التسوية اللبنانية وإعطاء أثمان في لبنان للمحور السوري - الايراني قبل ان تتوضح معالم الاستراتيجية الاميركية الجديدة للمنطقة، وإذا ما كان الرئيس بوش الذي فاخر بالرئيس السنيورة لعناده وتصلبه في مواجهة ايران وحزب الله سيتخلى عن مكابرته ويفتح خطوط الاتصال مع سوريا وايران استجابة لتقرير بيكر - هاملتون أم انه سيستمر في عناده ويزيد من متاعبه وغرقة في رمال العراق المتفجر علماً بأنه ما زال مع كوندوليزا رايس يحمّل دمشق وطهران مسؤولية تأزيم الاوضاع في لبنان والمنطقة.
وفي انتظار حسم النقاش داخل مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة، من الصعب بلورة رؤية لمسار الحل في لبنان، والسؤال: ماذا اذا فشلت مبادرة عمرو موسى؟
الرئيس نبيه بري يعيش فعلاً في اجواء اطلاق مبادرة جديدة من دون أن يفصح عن طبيعتها واطارها. إذ من المهم جداً إبقاء الأفق مفتوحاً أمام المبادرات لأن البديل هو جولات من التصعيد قد تتخطى الخطوط الحمر، فاللعبة حتى الآن تدور حول حافة الهاوية والخوف كل الخوف من أن يتحول اللعب في الهاوية نفسها.