strong>رهيف فياض
نصّ جديد للمعمار رهيف فياض، يتابع فيه سجاله مع
«أفكار» العمارة الجاهزة والانتقائية، تلك التي تتوسّل حيل الحداثة لتبرير الإلغاء والتشويه وحتى التدمير. نصّ فياض يرصد تحوّلات المدينة، وأثر هذه التحوّلات على الاجتماع والعمران وبالعكس.
وفي رصده الدقيق، يحضر الموقع الطبيعي ودوره في صياغة نظام العيش، عيش الأفراد والجماعات، فـ«كل قراءة لعمارة مدينة عليها أن تبدأ بقراءة للموقع الطبيعي الذي تقوم عليه المدينة»، والذي عليه أيضاً أن يتلاءم مع الحاجات، حاجات الاجتماع الأصلية. القول الهندسي والمعماري تحديداً يكتسب معناه وشرعيته من التزامه الموالفة بين الأمكنة وناسها، ومن التزام لا يقلّ أهمية لفكرة الحرية، هذه الفكرة التي لا تنفصل عن العمارة الحقيقية مهما تنوّعت طُرُزها. القول الهندسي الجديد أو الحديث يجب أن يتكامل مع ما سبقه ويتأسس عليه.

موقع بيروت الطبيعي
وبدايات التحول في عمارتها

كل قراءة، لعمارة مدينة ما، عليها أن تبدأ بقراءة وإن سريعة للموقع الطبيعي الذي تقوم عليه المدينة. علينا أن نبدأ إذاً، بقراءة الموقع الطبيعي الذي تقوم عليه مدينة بيروت، لنستطيع قراءة عمارتها.
موقع بيروت الطبيعي هو مثلث غارق في البحر. رأس المثلث إلى الغرب، وتحدّه الهضاب وبعدها الجبال، شرقاً. إنه شبه أفقي، فيه الكثير من التضاريس والنتوءات، أما الضواحي في الشمال وفي الجنوب فهي منبسطة بموازاة الشاطئ، لا تلبث أن ترتفع في هضاب باتجاه الجبال القريبة.
للمثلث ضلعان، الضلع الأول إلى الشمال الشرقي، وفيه مرفأ بيروت الحالي، الذي يمتد من مصب نهر بيروت حتى الحوض الأول، قبالة ما يعرف اليوم بجادة البرج أو جادة الشهداء. وبعد المرفأ، الأراضي المكتسبة بالردم حتى فندق السان جورج وكلها أملاك سوليدير، وفيها المارينا الشرقية، والمارينا الغربية العملاقة. ويتتابع ردم البحر بعدها، مستثنياً فسحة تنفس صغيرة في عين المريسة، وأخرى في الرملة البيضاء. وهاتان الفسحتان هما كل ما بقي لأهل بيروت من بحرهم وشاطئهم .
أما الضلع الثاني فهو إلى الجنوب الغربي، وفيه المطار في طرفه، وقبل المطار منطقة الأوزاعي ومنطقة الفنادق الحديثة. هذا هو باختصار الموقع الطبيعي الذي تقوم عليه مدينة بيروت اليوم، عنيت بيروت الكبرى.
وأنا لست مؤرّخاً بالتأكيد، ولا أطمح إلى الكتابة في التاريخ، وهناك كثر كتبوا في تاريخ بيروت. منهم صالح بن يحيى، والأب لويس شيخو، والشيخ طه الولي، والمحامي عبد اللطيف فاخوري ... وغيرهم. وربما استطعت عبر ما كتبوا تلمُّس البدايات في تحوُّل بيروت وعمارتها، وتلمُّس بعض المراحل في تحوّلاتها اللاحقة.
ففي العقدين الأوّلين من القرن التاسع عشر، كانت بيروت مدينة متواضعة، قامت حول مرفأ طبيعي صغير، لم يتعدّ عدد سكانها العشرة آلاف نسمة. زنَّر السكانُ مدينتهم بالأسوار، وجعلوا فيها بوابات متعددة، تُقفَلُ باكراً كل يوم، مثل باب الدركة، وباب ادريس، وباب يعقوب، وباب عصُّور، وباب البرج .... وغيرها.
لم تتغير أحوال بيروت إلّا في نهاية الثلث الأول من القرن التاسع عشر، عندما زاد الغرب من اهتمامه بها، مثل اهتمامه بغيرها من المرافئ على الضفة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، من الإسكندرية، إلى حيفا، مروراً ببيروت، وصولاً إلى مرسين وغيرها من المرافئ العثمانية، الملائمة لاستقباال السلع بكثافة.
نسيج من علاقات التبعية الاقتصادية والثقافية نشأ بين مجموعات من سكان جبل لبنان وبيروت، وبين القوى الأوروبية النافذة آنذاك. فازداد استيراد السلع لاستهلاكها، أو لإعادة تصديرها من بيروت إلى مناطق واسعة داخل السلطنة العثمانية. فتعزَّز دور مرفأ بيروت بسرعة، ونمت بفعل كل ذلك طبقة التجار الجدد متصدِّرة الهرم الاجتماعي في بيروت وفي جبل لبنان أيضاً. فضاقت المدينة بناسها، وكان عليها أن تخرج من سجن أسوارها إلى المناطق المجاورة، وأوّلها منطقة زقاق البلاط، لتمهِّد الطريق أمام المدينة المفتوحة المعاصرة.
في هذا الخروج، وفي البيت ذي الأقواس الثلاثة الذي انتشر بعده، والمسمى تجاوزاً بيتاً لبنانياً، كانت بدايات التحوُّل، أو التحول الأول في عمارة بيروت.

من هو المعمار؟ ومن صنع هذا التحوّل؟
من المفيد في البداية التذكير بأن تعليم الهندسة في المنطقة عامة،ً لم يبدأ إلّا في العقود الأولى من القرن العشرين، باستثناء تجربة محمد علي المبكرة في مصر. وتلاه تعليم العمارة بعد عقود طويلة. وكان أولاد بعض الميسورين يتوجهون إلى أوروبا أو إلى أميركا ليتعلموا الهندسة والعمارة. إلا أن أثرياءنا كانوا يلجأون إلى معماريين من إيطاليا ليُصمِّموا لهم الدُّور والقصور. هذا ما فعله الأمير بشير الثاني في قصر بيت الدين، وما فعله آل سرسق وغيرهم كثر، في بيروت وفي طرابلس.
إلا أن البنيان بصورة عامة، كان يرتفع على أيدي مهنيين كانوا في الوقت ذاته مصمِّمين وبنَّائين. وكانت عمارتهم إنتاجاً حرفياً بامتياز، لصيقة موقعها تُصنع من مواد المكان، وبمساهمة المهارات المحلية المتوافرة. ومعظم عمارة بيروت في تلك الفترة كانت من الحجر الرملي المستخرج من صخور بيروت الرملية. ولا يزال هذا الحجر العتيق ظاهراً في شارع سبيرز، وفي سور الجامعة الأميركية في بيروت. وهو لا يزال موجوداً في الكثير من البيوت القائمة الآن، وإن كان مكسواً بطبقة كلسية أو اسمنتية لحمايته من التقلبات المناخية الموسمية. كان البيت من طبقة واحدة أو من طبقتين، حوله حديقة، وغالباً ما كان يُطلُّ على البحر.
وفي اعتقاد البعض، أن هذا البيت هو بيت جبلي ريفي، وسقفه القرميدي المنحدر إنما صُمِّم للمناطق الجبلية المرتفعة حيث تكثر الثلوج. والحقيقة هي أن هذا البيت هو بيت مديني بامتياز، نشأ في بيروت بدايةً، وفي المدن الساحلية الأخرى بعدها، تلبيةً لحاجات اجتماعية محدَّدة. وهو بالتأكيد ليس بيتاً لبنانياً كما يدَّعي البعض، بل هو بيت متوسِّطيٌّ لا يزال موجوداً بكثرة إلى الآن على امتداد الساحل الشرقي للمتوسط، من حيفا في فلسطين، مروراً بالمدن الساحلية اللبنانية كافة، وصولاً إلى طرطوس، وجبلة، واللاذقية في سوريا، ومنها إلى أنطاكية ومرسين في تركيا، وربما أبعد من ذلك. وقد أصدرت الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة أخيراً كتاباً أنيقاً عن الموضوع، حمل اسم: «البيت البيروتي ذي الأقواس الثلاثة، عمارة بورجوازية في المشرق».
هذا البيت هو مصنَّع هجين. إنه يعكس مهارات محلية في البنيان، كما يعكس تطوّر مفهوم الفناء الداخلي المفتوح الآتي إلينا من منطقة ما بين النهرين بداية، ومن الجزيرة العربية ومن الصحراء لاحقاً، حيث كان الفناء الداخلي المفتوح، وسيلةً مناخيةً ترطِّبُ المجالات، ووسيلةً اجتماعيةً أيضاً، بحيث يعيش أفراد العائلة في مجال آمن، دون أية علاقة مع الخارج.
فالبيت في تصميمه، مغلقٌ على الخارج، مفتوحٌ على الداخل، حيث الفناء، ونافورة المياه، والحديقة.
لقد تطور هذا المفهوم لارتباطه بنشوء حياة مدينية، بدت إلزامية مع كثرة الوافدين إلى المدينة التي توسعت وازداد دور مرفئها. فنشأ هذا البيت، محوّلاً الفناء الداخلي المفتوح، إلى مجال وسطي مسقوف عُرف بالدار أو بالليوان، أو بأي تسمية أخرى. وتوزعت الغرف على جانبي الليوان أو الدار، كما كانت تتوزع على جوانب الفناء المفتوح. توسَّط البيتَ، الفناءُ الخارجي الصحراوي المتحول داراً أو ليواناً، وتزيّنت واجهاته بالأقواس المزركشة الآتية من البندقية، وتعمَّم بالسقف القرميدي الأحمر الآتي ربَّما من الأناضول. إنه بيت التهجين الناجح بامتياز. استعملته البورجوازية التجارية البيروتية الصاعدة لسكنها المديني، ثم انتقل إلى سائر المدن، وإلى سائر المناطق.

وماذا عن الهوية؟
وهل في لبنان عمارة لبنانية؟

وماذا عن الهوية، ونحن نتكلم على البيت «البيروتي» ذي الأقواس الثلاثة؟ والعمامة القرميدية الحمراء؟
في الكلام على العمارة في لبنان، أشير إلى أنه لكل بلد خاصياته الطبيعية، أو لكل مجموعة من البلدان أو لكل منطقة، خاصياتها الجغرافية والمناخية. هناك في كل مكان، فصول، وأمطار، ورياح سائدة. هناك توجيه مفضَّلٌ وشروق وغروب. هناك طبيعة وحدائق. هناك مواد متوافرة، وتقنيات صالحة، ومهارات ملائمة. إن كل هذه المعطيات، تساهم في صنع المسكن المحلي في مناطق لبنان المختلفة بطبيعتها وبمناخها. وربما استطعنا الكلام على مساكن في لبنان، متعددة بتعدّد المناخات فيه، وبتعدد مواد البناء المتاحة. فالبيت البقاعي كان بيتاً طينياً لعدم توافر الحجر. هذا ما نراه في يونين البقاعية حتى يومنا هذا. وزحلة بقيت بيوتها طينية حتى عام 1888، كما تظهرها صورة لبونفيس نشرها فؤاد دباس في أحد كتبه. وفي المقابل في البلدات والقرى الجبلية حيث يتوافر الحجر، كانت كل البيوت من الحجر. وفي الهضاب والمنحدرات الجبلية، كان البيت عبارةً عن سطوح متدرِّجة، مثل الجلول المتدرجة المزروعة حيث قام البيت. وفي السهل كان البيت أفقياً. وفي عكار بنيت البيوت من الحجر البركاني الأسود. وفي الجنوب أخذ البنيان منحىً آخر كما نراه في دردغيَّا في قضاء صور.
ثمة طرق متعددة لجأ إليها البنَّاؤون، مستعملين مهاراتهم والمواد المتوافرة، ليدمجوا البيوت في الأمكنة، وليحتضنوا فيها طريقة عيش الناس. كان البيت عبارةً عن مأوى حقيقي دافئ يحتمي به الناس، ويألفون إليه ويريحهم. وبهذا المعنى يمكننا أن نتكلم بلغة أنتروبولوجية معاصرة، عن بيت لبناني متعدد النماذج ومتعدد المواد، حيث تتعدَّد طرق العيش، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن البحر إلى أعلى السفوح وإلى البقاع. حمل هذا البيت في نماذجه المتعددة سمات محلية صافية، مرتبطة بالناس وبمكان عيشهم.
يصح هذا الكلام بالطبع عن البيت التقليدي في كل مكان. فهو بيت بيئي بامتياز، واضح الهوية، وعمارته هي عمارة محلية موروثة، أو عمارة تحدارية كما يسميها الجادرجي، واضحة الأصالة وأكيدة الانتماء. أما مع توسع المدن، وانتشار السكن المديني، وتعميم الاقتباس المتنوع المصادر وبدرجات متفاوتة من النجاح، فقد أصبح من الصعب الكلام على عمارة لبنانية. وربما كان من الأفضل استبدالها بمقولة «العمارة في لبنان».

strong>من عمارة البيت ذي الأقواس الثلاثة إلى عمارة زمن الانتداب.
في عام 1920، ابتدأت مع الانتداب الكولونيالي الفرنسي ومع إعلان لبنان الكبير، المرحلة الثانية من التحول في عمارة بيروت. فقد أدخل الكولونياليون بعض عناصر التجديد، كالشوارع العريضة ووسائل النقل الحديثة كالترامواي والسيارة، ونمطاً استهلاكياً نهماً. وحاولوا أن يُسْقِطوا فوق نسيج المدينة التقليدي العتيق، نسيجاً مدينياً منقولاً عن المدينة الغربية. الانتداب الكولونيالي كان فرنسياً، والنفوذ الثقافي والمديني الذي فرضه علينا الكولونياليون كان فرنسياً. تمثَّل في حقل العمران، بالفكر المديني والمعماري الذي اعتمده هوسمان في باريس، والذي ترك آنذاك أثراً بالغاً في معظم المدن الأوروبية.
حاول الكولونياليون أن يزرعوا في قلب بيروت التاريخي ساحة شعاعية كالنجمة، شوارعها مستقيمة ممتدَّة حتى البحر أحياناً، سمّوها ساحة النجمة، وأرادوها أن تحاكي ساحة النجمة في باريس. فهدموا معظم النسيج المديني القديم لتحقيق ذلك. ولكن لحسن حظنا أقول، لم تكتمل ساحة النجمة المنشودة، لأن بعض شعاعاتها اصطدمت بالكنائس والمساجد العتيقة المكتظة في المنطقة. ولم يتمكن الكولونياليون من هدم الكنائس والمساجد، وبقيت النجمة غير مكتملة، وبقي النسيج القديم قائماً، فاعلاً وحياً، حتى هدَّمته سوليدير أخيراً.
أما على صعيد العمارة، فقد أدخل الكولونياليون بقسوة، المفهوم الهوسماني الذي يقضي بتقسيم واجهة المبنى إلى ثلاثة أقسام عمودية، تتكرر في المباني المتلاصقة التي تصنع واجهة الشارع أو جدار الشارع. هذا ما نراه اليوم في عمارة شارع المعرض، حيث أُدخلت أيضاً في الأروقة الممتدة على جانبي الشارع بعضُ المفردات المستوحاة من العمارة العربية الإسلامية، فسمِّيت هذه العمارة بالعمارة الكولونيالية المستعربة، وسمّي نمطها النمط الكولونيالي المستعرب (colonialisme arabisant). وقد عمَّت العمارة، ذات الواجهات المقسّمة إلى ثلاثة أقسام عمودية، معظم شوارع بيروت وأحيائها، في الفترة الممتدة من عام 1920، عام الاحتلال، حتى عام 1943، عام الاستقلال. فنحن نراها اليوم في شارع فوش، وشارع المعرض، وشارع اللنبي، وشارع ويغان. كما نراها في كل الشوارع الضيقة والمتعامدة شمال مبنى بلدية بيروت. ونلاحظ دون عناء، أن أسماء الشوارع تدل على الفترة الزمنية التي بنيت فيها، حيث العمارة كولونيالية، والمورفولوجية المدينية هي كولونيالية أيضاً. ومع توسع المدينة، وجدنا هذا النمط من البناء الكولونيالي ينتشر في مناطق بعيدة نسبياً عن قلب المدينة التاريخي، في شارع سبيرز، وفي القنطاري، وفي شارع مي زيادة. كما وجدناه يتمدد إلى الجهة الشرقية من قلب المدينة التاريخي، إلى الجميزة، صعوداً إلى منطقة السراسقة في الأشرفية. واللافت أن بعض السمات العربية المشرقية التي ميَّزت العمارة في منطقة وادي أبو جميل، جعلت الباحثين الغربيين يسمونها «المشرقية» (la levantine).
أربعة عناصر هامة، ميّزت الامتداد المديني في تلك المرحلة:
1 ــ العنصر الأول، وهو عنصر اقتصادي اجتماعي، تجلّى بدخول فئات واسعة إلى مجال السكن المديني، وتكونت بذلك شرائح اجتماعية جديدة مرتبطة بالتجارة، طامحة إلى الصعود والترقّي الاجتماعيين.
2 ــ العنصر الثاني، وهو تقني إنشائي معماري، تمثّل باستعمال مادة حديثة في الهيكل الإنشائي في البنيان وفي الكثير من تفاصيله وزخارفه، وهي الخرسانة المسلّحة أو «الباطون المسلح». لقد لعبت هذه المادة دوراً حاسماً في تشييد الأبنية ذات الطبقات المتعددة، حيث سكنت الشرائح الاجتماعية الجديدة المشار إليها سابقاً. سكنت هذه الشرائح في شقق فوق بعضها البعض، متّبعةً النمط الغربي، مبتعدةً عن البيوت المستقلة التي تزنّرها الحدائق، والتحقت كلياً بالنمط الغربي الاقتصادي، الاجتماعي والثقافي. وشكلت الشوارع والأحياء التي سكنتها أجزاء جميلة من المدينة. وهي لا تزال إلى الآن متجانسة، جميلة، تعجّ بالحياة وبالناس. ومن الضروري المحافظة عليها بكل الوسائل.
3 ــ أما العنصر الثالث، وهو مديني معماري، إذ تم إثر ذلك الاستغناء عن علاقة المبنى بالحديقة. فاصطفَّت المباني على حدود الشارع، وانفتحت في واجهاتها النوافذ، وأطلّت شرفاتها على الشارع، وتعززت بذلك ثقافة جديدة، قوامها العلاقة بالشرفة، وبالشارع، وبالمباني المقابلة.
4 ــ أما العنصر الرابع والأخير، فهو التحوّل الليّن والهادئ، من البيت «البيروتي» ذي الأقواس الثلاثة، إلى المباني الجديدة ذات الهيكل الإنشائي المصنوع من الخرسانة المسلَّحة، والمتعددة الطبقات.
لقد حافظت هذه المباني في تيبولوجية مسطحاتها، على نموذج البيت «البيروتي» التقليدي، في تنظيم مجالاتها وفق تيبولوجية هذا البيت، إذا صح التعبير. فبقي الدار أو الليوان في الوسط، وتوزعت حوله الغرف، وبقي المطبخ والحمام في طرف الممر الضيِّق الموصل إلى المدخل. وهو الممر الوحيد في البيت. كما حافظت على تيبولوجية واجهات البيت البيروتي، في تيبولوجية واجهاتها. محور في وسط هذه الواجهات، وتأليف متماثل على جانبي هذا المحور، حيث استُبدِلت الأقواسُ الثلاثةُ بفتحات ثلاث، فتحةٌ عريضة في الوسط، وفتحتان عموديتان في كل من جانبيها، ورُبطت الفتحات الثلاث بصرياً بفتحة رابعة فوقها على شكل قوس. واستُبدلت الشرفة الرخامية الناتئة، بشرفة من الخرسانة في وسط الواجهة ناتئة هي الأخرى، ومتكررة بعدد الطبقات. درابزين الشرفة من الحديد المشغول بعناية، كما في شرفة «البيت البيروتي». وتكررت في الواجهة، الشرفات الناتئة أحياناً، أمام نوافذ الغرف المطلّة على الشارع.

الاستقلال محطة، وبعد الاستقلال تغيير فظ وحاد
ومع الاستقلال ابتدأت المرحلة الثالثة. والحداثة في العمارة التي شرعت في بداية الأربعينيات بإزاحة الطرز المعماري الكولونيالي، ترسَّخت بقوة، في السنوات التي تلت.
وعندنا، كما عند غيرنا في البلدان العربية، كانت العمارة الحديثة التي عرفناها هي عمارةُ الطرز الدولي (Style International)، الذي تم تعريفه في معرض نيويورك للعمارة الحديثة، الذي عُرضت فيه أعمال المعماريين روَّاد الحداثة، خلال عقد امتد من عام 1922 حتى عام 1932.
وُضعت بعد المعرض، القواعد الناظمة لعمارة الحداثة، أو لعمارة الطرز الدولي. وهي في معظمها قواعد في الشكل، مأخوذةٌ عن النقاط الخمس التي صاغها المعمار الفرنسي المشهور لوكوربوزييه (Le Corbusier) وهي: المسطح الحر، والهيكل الإنشائي الظاهر والمتكرر بإيقاع مقروء، والواجهات الحرة بفتحات أفقية عريضة، والبناء الذي يقوم على أعمدة منتظمة التباعد والتكرار (pilotis)، بحيث تبقى الأرضُ حرَّةً تحت المبنى، والسقفُ المسطحُ لاستعمالات جماعية للساكنين.
دخلت عمارة الطرز الدولي بقوة، مع تعاظم دور بيروت الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في الحياة اللبنانية العامة. ولا بدّ هنا من التأكيد، بأن ما سمّي لاحقاً بالنمو غير المتوازن، ترسّخ في السنوات التي تلت الاستقلال. فتضخّم خلالها دور بيروت، وتهمَّشت كل المناطق. كبرت المدينة واحتكرت كل شيء. فيها الثقافة وفيها السياسة، فيها الصحافة وفيها التعليم، فيها التجارة وفيها الترفيه، فيها الصناعة وفيها فرص العمل. باختصار فيها كلُّ شىءٍ، وفيها خاصةً كلُّ الناس. فالزحف إلى بيروت، أصبح السمة الأساس للتكوين السكاني للبنان الاستقلال، بحيث لم يكد يكتمل العقد الخامس من القرن العشرين (1950 ــ 1960) حتى أصبحنا نرى بيروت كما نراها تقريباً اليوم، من حيث امتدادها الأفقي ومكوناتها المدينية والمعمارية.
إن هذا المشهد العام لعمارة المدينة، الذي تكوَّن بفعل العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي أشرنا إليها، إنما تكوّن بالتدرج، بليونة، وبهدوء، وبتواصل، في البدايات، ثم بقطع فجّ وحادّ في العقود الأخيرة.
لم نر في لبنان الحداثة في العمارة كما تصورها روَّادها: ديموقراطيةً، إنسانية بمقياسها وبأهدافها، دلالةَ الراحةِ، وعلامةَ الازدهار والرفاهية، التي توهَّموا بأن الثورات الصناعية المتتالية عندهم، ستحملها إلى الشعوب، كل الشعوب. بل إن ما رأيناه، هو هذا الطرز الدولي الذي تجسَّد في مبان طبقاتها تتعدد باطّراد، وتزداد ارتفاعاً كل يوم. مبان ملوِّثة، قامِعة، مُعدَّة لسكن الزاحفين الجدد إلى المدينة، بحثاً عن حياة لائقة.
لقد غاب «البيت البيروتي» البورجوازي، وسط الزحمة الخانقة للناس في المدينة، وفُرضَ على الجميع نمطُ الطرزِ الدولي، نموذجاً معمَّماً للسكن في كل الأمكنة، لا علاقة له بطريقة عيش الناس، هنا، هناك، أو هنالك. نموذجٌ معمَّمٌ، فيه المدخلُ، وقسمُ الليلِ، وقسمُ النهار، والمطبخُ الصغيرُ المتَّصلُ بالضرورة بالمدخل وبزاوية الطعام. دخل الناس إلى هذه النماذج، يبنيها ويبيعها التجار ومعماريُّوهم. فمنهم من اضطر إلى التأقلم معها واستعملها كما صُمِّمَت، ومنهم من تمرَّد على القوالب المفروضة عليه، واستعمل مجالاتها وفق حاجاته الخاصة وطريقة عيشه. وما عِمارة بيروت، في المناطق المكتظة خاصةً، كالطريق الجديدة، والفاكهاني، وبرج أبو حيدر، والمصيطبة، والبسطا، والأشرفية، والسيوفي ... سوى التعبير الفج عن هذا النموذج «الدولي المعمَّم»، والذي يُعاد إنتاجه بانتظام ودون أي تعديل، منذ نصف قرن. مع التأكيد على تعديل جذري في نمط عيش الناس، إذ أُلزِِِموا بالابتعاد عن التجاور في مساكن تقوم في طبقة واحدة فسيحة، في عمارة متوسطة الارتفاع. ثم أُلزموا بسكن مبان صغيرة المساحة أفقياً، شاهقة الارتفاع. إنها العمارة العمودية المزدهرة اليوم في كل الأحياء وفي كل الزواريب. إنها عمارة الأبراج في بيروت، إنها بيروت الأبراج .

نظرة إلى سنوات إعادة الإعمار
النظرة إلى سنوات إعادة الإعمارأو إلى ورشة إعادة الإعمار، تبدو ضرورية في هذا السياق. إلّا أن لديّ بعض الأفكار الأولية، التي أريد إضافتها، قبل إلقاء النظرة هذه.
● الفكرة الأولى، هي أن المشهد المديني في بيروت كما نراه اليوم، وعمارة بيروت كما نراها اليوم، لم تكتمل إلا في منتصف الستينيات، وربما أبعد من ذلك، في منتصف السبعينيات. فمنطقة «الحمراء» كانت منطقة زراعية حتى بداية الخمسينيات، ولم تزدهر كبديل لقلب بيروت الذي كان يعاني من الاختناق، إلّا من منتصف الخمسينيات حتى منتصف الستينيات، حيث بنيت المنطقة، وبني الشارع وازدهر، وأصبح مقصد الميسورين من اللبنانيين والعرب والأجانب، فيه التسوُّق، وفيه مقاهي الأرصفة، ودور السينما والمطاعم ... أما منطقة تلة الخياط المطلة على كورنيش المزرعة، فلم تقم فيها سوى مبانٍ قليلة. وكل ما هو قائم فيها اليوم بني خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بين عام 1975 وعام 2005. وربما صحَّت المقولة ذاتها حول منطقة الرملة البيضاء، التي نُظِّمت كمنطقة راقية، ولم يُبنَ فيها إلا القليل حتى عام 1975، وهي تتوسَّع الآن بسرعة.
خلاصة القول، إن بيروت التي نعرفها اليوم وننظر إلى عمارتها وهي تتحوّل، لم يكتمل المشهد المديني فيها بحيث نستطيع الكلام على عمارة المدينة، إلا في أواسط السبعينيات عشية الحرب الأهلية .
● والفكرة الثانية، هي أن بيروت التي نعرفها كانت، حتى منتصف السبعينيات، مدينة شبه أفقية مثل باريس وروما. ولهذا الكلام مدلول معماري محدَّد. إذ إن امتداد المباني الأفقي، كان أكثر حضوراً من ارتفاعها. كان ارتفاع المباني معتدلاً، وكنا نقرأ عمارة الشارع بكونها سلسلةً من المباني الأفقية المتلاصقة أو المتجاورة، صانعة ما نسمِّيه منظور الشارع، أو الرؤية الإجمالية للشارع (prospect).
● الفكرة الثالثة، هي أنه مع تعديل قانون البناء في عام 1971 عندما كان هنري إده وزيراً للأشغال العامة، ومن ثم تعديله ثانية في عام 1983عندما كان الراحل بيار الخوري وزيراً للأشغال العامة، تغيّر المشهد المديني في بيروت بشكل جذري، وتغيّرت عمارتها. غاب المنظور الأليف، وأصبحنا نرى بيروت العمودية تأخذ مكان بيروت الأفقية. وفي هذا التغيير الفج، ما يتناقض كلياً مع موقع بيروت الطبيعي ذي التضاريس المتعددة، ومع علاقتها بالبحر. فالمباني العمودية اليوم غالباً ما تفقد تناسقها، إذ تبدو صغيرة المساحة الأفقية، مبالغةً في الارتفاع. وفقدانُ التناسق هذا يدلُّ، على هشاشتها، وعدم ثباتها، كما يشير كأنها غير متينة ولا توحي بالاطمئنان. إذ تبدو هزيلةً، سريعة العطب. وإخلاؤها في الحوادث أو في الكوارث الطبيعية، يبدو بالغ الصعوبة.
● الفكرة الرابعة، هي أن مورفولوجية المدينة تغيَّرت بسرعة غير مألوفة خلال عقدين من الزمن (1975 ــ 1995) ونمط المباني العمودية تشاد في أماكن ضيقة وغير ملائمة، لا يزال مندفعاً بقوة حتى يومنا هذا.
● الفكرة الخامسة، هي أن الشرائح العليا من المجتمع وبعض الفئات المتوسطة فيه، أصبحت تفضِّل السكن «في الأعالي» كما يقال، أي في الأبنية المرتفعة، وفي الطبقات العليا من هذه الأبنية. ومن المعروف أنهم يشترون مساكنهم هذه بأسعار باهظة، إذ ترتفع الأسعار بشكل مطّرد مع ارتفاع موقع المسكن في البناء. ما هو سبب ذلك؟ هل في الأمر شيء من الغرور ومن التعالي؟ أم فيه رغبةٌ في الابتعاد عن ضجة الشارع؟ أو ربما عن عامة الناس؟ أم فيه نوع من البحث عن الاستقلالية المطلقة في السكن المديني؟
وبالعودة إلى ورشة إعادة الإعمار أو إلى سنوات إعادة الإعمار كما سميت، أبدأ بالتمييز بين البنيان أو التشييد، وبين العمران. إن ما شهدناه في النصف الأول من التسعينيات من القرن الماضي، ليس عمراناً، وليس مشروعاً إعمارياً. إنه في أحسن الحالات، طفرة في البنيان. فما بني في لبنان في السنوات الخمس الأولى من التسعينيات، يعادل مجموع ما بني في لبنان خلال ربع القرن الذي سبقها. وفي سجلات نقابة المهندسين في بيروت ما يوثّق ذلك بشكل دقيق. فالأمتار المربعة المبنية كانت بالملايين كل سنة.
لقد ساد في البلد في حينه، وهم السلم الآتي، وقد روّج له مسؤولون كبار. فتحدَّثوا عن الهدوء والازدهار القادمين، اللذين سيعمَّان المنطقة، ورأوا أن لبنان سيكون المستفيد الأول من كل ذلك. فساد بموازاة الوهم الأول، وهمٌ ثانٍ، رأى ملايين الإخوان العرب يفدون إلى لبنان، للتسوّق والسياحة والتنزه، وربما لما هو أكثر إمتاعاً لهم وترفيهاً. وبنينا للوهم المزدوج، أبراجاً فسيحة شاهقة بقيت في معظمها فارغة. فلا السلم أتى ومعه الازدهار والاستقرار، ولم نر ملايين السيّاح العرب على شرفات الأبراج، وفي صالات الفنادق. سبعة مليارات من الدولارات قدَّرها المختصُّون في حينه، جُمِّدت في مبانٍ بقيت فارغةً لمدة طويلة. ثم تراجعت الطفرة في الأعوام التالية (1997 ــ 1999) وفق سجلات نقابة المهندسين في بيروت دائماً، ودخلنا مرحلة الركود الكامل اقتصادياً وعقارياً.
وفي السنوات الثلاث التي سبقت الحرب الأميركية الإسرائيلية على لبنان، وتحديداً بعد أحداث أيلول في أميركا، والحرب على أفغانستان وعلى العراق، تجدَّدت الطفرة وإن بشكل جزئي محدود، فطالت الواجهة البحرية لمنطقة سوليدير، ووادي أبو جميل، والجمَّيزة، وبعض المناطق الأخرى في بيروت وفي بلدات الاصطياف. هل نرى في الطفرتين، وفي ما قد يهبّ علينا من طفرات مماثلة، مشاريع إعمارية حقيقية؟
إن توزع البنيان بشكل انتقائي على المناطق، في غياب تصور متكامل لعملية الإعمار، إنما يدلُّ على حمَّى التفتيش عن الربح. وكل ما شهدناه وما نشهده الآن وربما ما سنشهده لاحقاً، ليس سوى عمليات عقارية صافية، تدرّ على أصحابها أرباحاً سريعة، ربما استفاد منها البعض أيضاً.
وفي نظرة متأنية إلى عمارة بيروت اليوم، وبعد كل الطفرات في البنيان، يتبادر إلى الذهن سؤال بديهي بعد سبع عشرة سنة على توقف الحرب الأهلية: هل استطاعت ورشات الإعمار، أو طفرات البنيان، أو المعالجات المستقلة، أو المبادرات الفردية على أنواعها، هل استطاعت كل هذه الجهود، أن تنزع عن بيروت لباس الحرب الذي ارتدته خلال خمس عشرة سنة؟ ولا تزال ترتديه وإن بصورة جزئية؟
أدعو السائلين إلى أطراف شارع بشارة الخوري، وشارع سوريا. أدعوهم إلى الخندق الغميق، وطريق الشام ومنطقة الناصرة. أدعوهم إلى شارع مونو وكل متفرعاته المختبئة تحت الأشجار وفي الزواريب. أدعوهم إلى أماكن أخرى قد تكون موجودة، لكنني لا أعرفها. في كل هذه المناطق والأماكن، لا تزال بيروت ترتدي لباس الحرب، آثارها بارزة وحضورها قوي.
ولكن!؟ ألم يكن من المفروض، أن يدفع مشروع إعادة إعمار وسط بيروت التجاري كما سمّوه، نازعين الميزة التاريخية عنه، ألم يكن من المفروض، أن يدفع هذا المشروع بقوة، باتجاه نزع لباس الحرب عن المدينة بكاملها بعد كل هذه السنوات؟ لا بد في هذا الصدد من التشديد على أن مشروع إعادة إعمار الوسط التجاري لمدينة بيروت، قد ابتدأ قاصراً. وقصوره هذا كان موضع نقد، منذ إقراره في خريف عام 1991، ونشوء شركة سوليدير.
● قيل في حينه إن القصور الأول في المشروع، هو في عدم اندراجه في تصور شاملٍ لمعالجة آثار الحرب في المدينة بكاملها. فالناصرة وطريق الشام مثلاً، ليست بعيدة عن وسط بيروت، والمسافة الممتدة من مستديرة الطيونة حتى مستديرة مار مخايل في الشياح في مثل ثان وإن كانت خارج بيروت الإدارية، فهي جزء هام من بيروت الكبرى.
● وقيل أيضاً إنه كان على المشروع الأساسي، أي مشروع إعادة إعمار وسط بيروت التجاري، أن يوسِّع دائرة التدخل لتشمل المحيط المباشر له، أي شارع سبيرز وشارع كليمنصو، والقنطاري، وزقاق البلاط، والباشورة، وشارع مونو، وربما كل المنطقة المتضررة الممتدة من شارع الاستقلال جنوباً حتى جادة فؤاد شهاب شمالاً، وذلك ضمن قراءة شاملة لآثار الحرب، وإن تعددت الشركات العقارية، وتنوَّعت وسائل المعالجة.
● وقيل أيضاً إن المشروع، تعمَّد عدم توسيع دائرة التدخل مع تعدد الشركات والوسائل، كي تبقى العقارات في هذه المناطق، خالية كانت أو مبنية، رهينة وضعها وسهلة المنال، يصطادها بسهولة أصحاب النفوذ وأصحاب الرساميل، من مالكي سوليدير وزبائنها، بعد أن تتقدَّم الأعمال في إعادة الإعمار في وسط بيروت. وربما حصل ما يشبه ذلك في منطقة القنطاري، وهذا ما يحصل الآن في منطقة زقاق البلاط.

القطع الفج في عمارة وسط بيروت
مشروع إعادة إعمار وسط بيروت ليس قاصراً فقط، بل إن فيه تزويراً واضحاً لتاريخ المدينة، واستباحة لا سابق لها لتواصل عمارتها.
سمّي المشروع إعادة إعمار وسط بيروت، مع نزعٍ متعمَّدٍ للصفة التاريخية عنه، سهَّلت عليهم جرائم الهدم، وإزالة أمكنة الذاكرة الجماعية فيه، من الساحات، إلى الأسواق التقليدية وعلاقتها التاريخية بالبحر وبالمرفأ القديم، إلى المباني التاريخية والمعالم المدينية. ضاعت ساحة الدباس، وحوصرت ساحة رياض الصلح، لتصبح زاوية صغيرة ملحقة بعقار كبير خلفها.
وغداً، سيغيب حضور تمثال رياض الصلح في المجال، عندما يقوم خلفه برج جان نوفل المنتظر.
وبعد غدٍ، ستطغى أبراج نورمن فوستر على جادّة الشهداء، وتصبح، بحضورها وبارتفاعها الشاهق، النصب الوحيد في المكان، بديلةً عن نصب الشهداء.
وفي القريب، ستَبنى «الجميلة» إيفانا ترامب برجها الزجاجي الملوَّن، وقد خصَّصته ليكون محطات فاخرة لتوقّف سريع للأغنياء والمشاهير على أرضنا.
نشهد منذ أربعة أعوام، انطلاقة القطع الفج والبالغ الحدة، لكل تواصل في عمارة المدينة. سنتناوله ربما في نصوص لاحقة.