جوزف سماحة
«القانون الدولي» إلى جانب إيران، لكن «المجموعة الدولية» ضدها. فمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التي وقّعت عليها إيران تسمح لها بتطوير برنامجها النووي السلمي. إلا أن هناك من يرفض ذلك بالرغم من عدم وجود دليل واحد، مهما كان بسيطاً، على أن طهران انتقلت من «المدني» إلى «العسكري». فلا وكالة الطاقة تملك دليلاً، ولا فرق الاستخبارات العاملة ضمن الأراضي الإيرانية تملك دليلاً، ولا الأجهزة الأمنية الغربية أو الشرقية تملك دليلاً. تجري المحاسبة، إذاً، على نوايا منسوبة إلى «الدولة المارقة» وعلى تجاوزات ربما ارتكبتها. والطريف أن تقريراً أخيراً للجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، إذ يشكو من عدم امتلاك المعطيات الكافية، فإنه يعتبر ذلك عنصراً يعقّد المفاوضات بدل أن يعتبره عاملاً لعدم التصعيد.
صدر القرار 1737، ودخلت المواجهة في طور جديد ستحدّد معالمه الردود على القرار الدولي والخطوات المضادة له.
لم تمض أسابيع على إعلان كوريا الشمالية نفسها دولة نووية عسكرية، وإقدامها على تفجيرات تجريبية، حتى اندلعت أزمة جديدة. واللافت أن الأسابيع الفاصلة بين الحدثين كانت مميزة بسعي جدي إلى احتواء الخطوة الكورية وإلى سحبها من التداول الجدي وإلى البحث عن سبل لطرق باب المفاوضات معها. وما يمكن قوله، من دون خوف الخطأ، أن السلوك حيال إيران لن يستنسخ السلوك حيال كوريا. سيحل التشدّد محل الليونة. والسبب الجوهري في ذلك طبيعة البيئة الإقليمية المحيطة بكل من الأزمتين.
ففي ما يخص كوريا الشمالية، اضطرت الولايات المتحدة إلى إيكال دور فعال للدول المجاورة وعلى رأسها الصين. وذلك لسببين. الأول أن هذه الدول (الصين، اليابان، روسيا وكوريا الجنوبية) دافعت بقوة عن ضرورة التهدئة والحل السياسي، والسبب الثاني هو أن هذه الدول لا تمثّل، بالنسبة إلى المصالح الأميركية، أرضاً مفتوحة للنهب والاستفادة وتقبّل العلاقات الخالية من أي تكافؤ.
ليست هذه هي حالة إيران. فإيران محاطة بدول لا تملك المناعات الوطنية الكافية، وهي، أي إيران، على تماس مباشر مع المخزون النفطي العالمي الذي يشكل همّاً أميركياً، فضلاً عن تماسها مع الصراع العربي ـــ الإسرائيلي الذي يشكل، بدوره، أولوية ذات مرتبة خاصة بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
المفارقة، من دون أي انتقاص من أهمية إيران في ذاتها، هي أن «الجيرة» هي التي توفّر لإيران استثنائيتها. المفارقة الثانية هي أن الحربين الأميركيتين في أفغانستان والعراق زادتا من وزن إيران الإقليمي كما لعبت الدور نفسه السياسة الأميركية في مجال الصراع العربي ـــ الإسرائيلي.
وفي الحالات المشار إليها كلها، تملأ إيران فراغاً سببه الغياب العربي الذي لم نشهد مثيلاً له في التاريخ القريب. «تضخم» الدور الإيراني مسؤولية عربية بالدرجة الأولى، وهي مسؤولية تمثلت في إسناد الأمن إلى قوى خارجية، وفي الامتناع عن سياسة عراقية ذات معنى كان واجبها التدخل لمنع الغزو، وفي العجز البيّن عن تنفيذ استراتيجية تضع إسرائيل أمام التسوية الشاملة بصفتها احتمالاً بين جملة بدائل أخرى.
ولقد حصل ذلك كله وإيران قوة إقليمية تقليدية. فكيف إذا أصبحت قوة إقليمية كبرى؟ وكيف إذا كانت «واقفة» عند تقاطع الأهداف التي تضعها الولايات المتحدة لنفسها في المدى المفتوح على عقود؟
صدور القرار 1737 فاتحة مرحلة جديدة في احتدام المواجهة في المنطقة. يمكنه أن يخدم الدعاة الأميركيين إلى اعتماد المؤسسات الدولية وإلى الحوار المشروط مع طهران، كما يمكنه أن يدعم الرأي الآخر القائل بأن الحوار غير مجدٍ وبأن سقف العمل المشترك مع آخرين أشدّ انخفاضاً من أن يقدم حلاً لمشكلة داهمة. ويمكن الترجيح أن المعسكر الذي قاد الحرب مع العراق سيضغط لتغليب الرأي الثاني وسيعمل ما في وسعه لخوض مواجهة شاملة يكون النووي الإيراني عنوانها الأول، و«الإرهاب الفلسطيني واللبناني» عنوانها الثاني، و«التمحور الإقليمي» عنوانها الثالث.
وسنجد من سيقيم ربطاً محكماً بين 1737 و1559 و1701، وبينه وبين القرار بمحاصرة حكومة «حماس»، وبينه وبين «عزل سوريا»... ويعني ذلك أن المخاطر الإجمالية على المنطقة ستزداد خاصة متى أضفنا إلى ذلك ما يبدو واضحاً، حتى الآن، من ميل لدى البيت الأبيض، لامتصاص مفاعيل تقرير بيكر ـــ هاملتون.
ليس معروفاً ما إذا كان 1737 سيكون خاتمة 2006. لكن المؤكد أن 2007 سيكون عام المواجهات الخاصة بتطبيق ترسانة القرارات الدولية المتخذة باسم مصالح دولية والمسماة «قرارات الشرعية الدولية».