طارق ترشيشي
الجميع ينتظر ما سيكون عليه الوضع بعد عطلة الأعياد، والتوقعات متناقضة وهي تراوح بين تصعيد واسع متبادل يمكن ان يحصل بين فريق السلطة والمعارضة وبين استمرار مواقف الطرفين وتحركاتهما على وتيرتها الحالية التي يحكمها انتظار السياسة الأميركية الجديدة في المنطقة بعد توصيات لجنة بايكر ـــ هاملتون.
وفي معرض تقويم الوضع منذ نزول المعارضة الى الشارع عاملة على الوصول الى حكومة وحدة وطنية يقول بعض السياسيين إن الأحداث والتطورات أثبتت أن لبنان ليس ورقة أميركية وفي الوقت نفسه ليس ورقة سورية ـــ إيرانية. كذلك أثبتت أولاً، أن الحكومة لا تسقط بالوسائل المتاحة حتى الآن، وثانياً أن هذه الحكومة لا تستطيع أن تحكم، وثالثاً أن لا رغبة داخلية جامحة في التفجير لدى أي طرف كما أنه ليس هناك أي تشجيع خارجي عليه لأن أي طرف إقليمي أو دولي يتعامل مع الوضع اللبناني لا يضمن بقاء ما له من حصص او من تأثير في حال حصول هذا التفجير.
وفي ضوء ذلك يعتقد هؤلاء السياسيون أن معالجة الأزمة تتطلب الوصول الى «تسوية تاريخية» تتضمن الآتي:
ـــ أولاً جواب على مصير سلاح المقاومة.
ـ ثانياً، دخول في نقاش في شأن مستقبل النظام السياسي.
ـ ثالثاً، دخول في نقاش يتناول «شوائب» اتفاق الطائف التي تكشّفت من خلال تطبيقه الذي لم يكن تطبيقاً أميناً في بعض بنوده.
لكن هؤلاء السياسيين يرون ان ليس هناك جهوزية الآن لهذه «التسوية التاريخية» لسببين اثنين:
ـ الأول، هو أنه لا أحد يستطيع أن يبت في موضوع سلاح المقاومة أو يقاربه في ظل استمرار النزاع العربي الإسرائيلي الذي لا علاج له إلا بتسوية عادلة وشاملة في المنطقة لا تزال بعيدة المنال.
ـ الثاني أن الأطراف اللبنانية المتنازعة لا تتمتع بالهدوء الذي يتطلبه النقاش الدستوري لكي تناقش تجاوز او تطوير اتفاق الطائف الى ما هو افضل.
ولأن هذين السببين غير موجودين، لا بد من الدخول في تسوية على مرحلتين، الأولى تتناول ما بات يعرف بـ«الحكومة والمحكمة» بحيث يتم الاتفاق على تأليف حكومة وحدة وطنية عبر توسيع الحكومة الحالية او تأليف حكومة جديدة، والاتفاق في الوقت نفسه على مضمون مشروع إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
أما المرحلة الثانية فتتناول موضوعي الانتخابات النيابية المبكرة والقانون الذي تُجرى على اساسه التي تطالب بها المعارضة وتُصرّ عليها، والانتخابات الرئاسية المبكرة التي يطالب بها فريق السلطة ويُصر عليها.
والواقع أن الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور عمرو موسى سعى الى «مَرحَلة» حل الأزمة بهذه الطريقة بموجب المبادرة العربية التي عمل عليها بالتعاون مع الموفد الرئاسي السوداني مصطفى عثمان اسماعيل فاكتشف انه لا يستطيع الفصل بين المرحلتين، بل أدرك أنه يمكن الفصل بينهما إجرائياً لكن الاتفاق ينبغي ان يحصل أولاً على المرحلتين وهو الامر الذي لم يتمكن من الوصول اليه حتى الآن.
ويتبين من خلال ما انتهت اليه المبادرة العربية وما يبرز من مواقف وتطورات أن لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لمَّح الى «مبادرة جديدة» ولموسى مهمة أساسية الآن هي: تحديد الاطار النظري للتسوية الذي يولّد وعداً بعدم لجوء فريقي السلطة والمعارضة الى التصعيد في انتظار الاتفاق على التسوية الممرحلة ما دامت «التسوية التاريخية» بعيدة المنال في هذه الظروف.
على أن المعطيات الماثلة على أرض الواقع تدل على أن المعارضة تمارس سياسية النفس الطويل في مواجهة فريق السلطة وترى أن عامل الوقت يلعب لمصلحتها سواء طال أم قصر، وهي تتوقع ان تأتي التطورات والاستحقاقات الإقليمية والدولية المقبلة لمصلحتها وذلك بعدما اتخذت قراراً بعدم الانزلاق الى أي فتنة طائفية أو مذهبية يمكن أن يستدرجها اليها فرق السلطة او أي فريق آخر، كذلك فإن المعارضة تعتقد ان استمرار الوضع على ما هو عليه إنما يستنزف حكومة الرئيس فؤاد السنيورة يومياً وخصوصاً أنها لم تلقَ من الولايات المتحدة حتى الآن سوى الدعم اللفظي وهو دعم يثير المخاوف لدى الاكثرية أكثر مما يثير الشجاعة.
وإذا كان ثمة من يقول إن واشنطن «لا تحبّذ» تصعيداً وتفجيراً في لبنان في مواجهة المعارضة لأنها تخشى بنتيجته أن تخسر «بقيتها الباقية» أي الاكثرية الحاكمة، فإن رئيس الجمهورية يدعو الى التنبه الى احتمال إقدام الإدارة الأميركية على توتير الوضعين اللبناني والفلسطيني بغية التعمية وصرف الأنظار عن هروبها المُذِلّ من العراق تحت جنح تسوية تسعى جاهدة للوصول اليها لحفظ ماء وجهها بعد فشل مخططاتها في المنطقة.