غسان سعود
«إيه شو مفكرها ما بتشتي بالجنوب؟» يقول أحد عناصر الانضباط في حزب الله رداً على سؤال عن الحال في مخيم وسط بيروت مع تساقط الأمطار الغزير أمس. وبالقرب منه، يبتسم أحد العونيين ويعلق: «من عاش عواصف الشتاء خمسين سنة في جرود عكار لن تؤثر فيه الأمطار».
وفي زاوية أخرى، تتحلق مجموعة من الرجال حول بضع حطبات تأكلها النار ببطءٍ، ولدى سؤالهم عن سر ارتدائهم ملابس رقيقة، يكشف أحدهم عن أنهم عسكريون متقاعدون خدموا في الجيش سنوات، وعاشوا في الخيم شهوراً كثيرة. وبالتالي فإن الأمر لا يحمل أي جديد بالنسبة إليهم، وليس ثمة أي مشكلة مع الأمطار.
وفي ساحة الشهداء، بضعة فتيان يتنقلون بين الخيم التي التحفت برداء من النايلون، ويوزعون بياناً عنوانه «لح نبقى هون مهما العالم قالوا»، وجاء فيه: «توقعت مصلحة الأرصاد الجوية ان يكون الطقس غائماً جزئياً الى ماطر مع انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة ويتكوّن الجليد فوق الجبال وتتساقط الثلوج على ارتفاع 1100 متر، على ان يبدأ الطقس بالتحسن ظهر غد (اليوم)». ويوضح أحد الشبان أن العاصفة انتهت ولم تؤثر في المخيم.
يُمكن القول إن الحديث في المخيم، في هذين اليومين، يطغى عليه موضوعا الاعتصام والأمطار. وضمن هذه الأجواء يسرّ أحد الشبان إلى أصدقائه أن أنصار الفريق الحاكم يتناقلون نكات كثيرة أبرزها: «جيد أن تُمطر، ليستحم المعتصمون»، «يومان ماطران إضافيان، ويتحول مستوطنو وسط بيروت إلى «تانغ»، وغيرها العشرات من النكات. يضحك المجتمعون ويؤكدون أن هذه جميعها تزيد تمسكهم بالبقاء في الساحة حتى تتحقق مطالبهم. ويسأل أحدهم كيف يسمح البعض لنفسه بالقول إن التساقط الغزير للأمطار هو انعكاس لغضب الله على المعتصمين، وكأن ليس ثمة مئات آلاف المزارعين يصلون يومياً لينعم الله عليهم بالأمطار الغزيرة، أو كأن تساقط الأمطار في هذه الفترة من السنة ليس أمراً روتينياً. والأبرز في هذا السياق، يكشفه الناشط في التيار الوطني الحر سايد حلوة الذي يقول بلهجة شماليّة: «خراطيم المياه المصوبة إلى صدورنا لم تستطع منعنا من المطالبة بحقوقنا.. الآن يريدوننا أن نتراجع بسبب تساقط بعض الأمطار».
وعُلم أن المشرفين على المخيم سيعقدون اجتماعاً ظهر اليوم لبحث النشاطات التي ستقام تحضيراً لرأس السنة، في انتظار انتهاء «استراحة المحارب» التي يفترض ألا تتخطى السابع من كانون الثاني المقبل بكثير، فيما تُعد لجنة الدراسات في «التيار الوطني الحر» والهيئات النسائية في «حزب الله» لاحتفال ديني وتربوي إسلامي ــ مسيحي في ساحة رياض الصلح غداً الخميس الساعة العاشرة قبل الظهر، بمناسبة عيد الأضحى، يشارك فيه 250 طفلاً تراوح أعمارهم بين خمس وعشر سنوات.
أغاني العيد تعلو في ساحتي العيد، يعلم خضر الآغا بائع الكعك الطرابلسي بأن صحافياً يقترب فيسرع إليه ويقول «هنا العيد الحقيقي.. عيد الفقراء..»، تقاطعه إحدى السيدات وتقول بلهجة كسروانيّة «لم نشعر بفرحة العيد لهذه الدرجة منذ سنوات كثيرة». وقبل أن ينهيا كلامهما، يصل نبأ جديد مفاده أنه سيتساقط الثلج على ارتفاع خمسمئة متر. مشهد جديد يزيد من غرق شبان المخيم في الأحلام، مشهد شجرة العيد ذات الثمانية عشر متراً وحولها خيم مغطاة بالثلوج، وبينها شباب يجتمعون حول مواقد النار الصغيرة. هنا الشعب يستعيد ذاكرته، المجموعات يتحدى بعضها بعضاً بحجم الشعلة المنبعثة من الحطب. أمطار أو لا أمطار، ثلوج أو غيرها، لا شيء يُبعد جمهور المعارضة عن ساحتيه إلا تحقيق المطالب. وعدٌ جديد. ووعد الحر دين. هذا لسان حال أهل الساحتين.