strong>«يحتفل» نقيب خطاطي الصحف والمجلات جوزيف حداد اليوم بـ«الذكرى السنوية» الأولى لإرساله كتاباً يتضمن شكاوى تتعلق بمهنته إلى الحكومة اللبنانية، من دون أن يحصل على أي ردّ. النقيب يتفهّم وضع الحكومة الحالية. لكن وجب التذكير
تلقّت «الأخبار» رسالة من نقيب خطاطي الصحف والمجلات يأمل فيها تسليط الضوء على خطر زوال مهنته.. استغربنا وجود نقيب لمهنة لم يعد هناك من يمارسها. وقصدنا عنوان المركز المؤقت للنقابة: غرفة لا تتّسع لأكثر من شخصين، تقع في الطابق الأخير من البناية التي يسكن فيها النقيب، اضطر لاستئجارها بدل المقر الأساسي الذي لم يعد يستطيع تحمل نفقات إيجاره...
بسط أمامنا على المنضدة قصاصات من الصفحة الأولى لجريدة «الأخبار»، وقد ألصق الصفحات على ورقة ذيلها بكتابة «المانشيت» نفسها بخط اليد ليبرز الفرق الجمالي بين خط الكمبيوتر وخط اليد. فقبل عام 1989، كان لكل جريدة خطاطها: اشتهر ميشال غفري بالخط النسخي الذي اعتمدته جريدة «النهار»، وكان جبران مطر أهم من كتب بالخط الرقعي عناوين «لسان الحال». مثّل الخط أحد معايير شخصية الجريدة. إلا أن التطور التكنولوجي استبدل الخطاطين ببرامج الخط العربي والريشة بجهاز الكمبيوتر فـ«كسّر الخطاطون ريشهم وقعدوا بالبيت»، كما يقول نقيب خطاطي الصحف والمجلات جوزيف حداد.
تنقّل حداد بين البيرق وصدى لبنان والجمهورية والدنيا والخواطر إلى أن استقر لمدة 12 عاماً في جريدة الأنوار. وفي أواخر عام 1989، حين استغنت الجرائد عن خطاطيها لمواكبة شروط السرعة والعملية التي تفرضها الحداثة، عرضت عليه الأنوار أن يبقى ويعمل على الكمبيوتر، لكنه رفض. ولا يزال حتى اليوم يرفض التعامل مع هذا الجهاز واقتناءه. تفرّغ لتأليف كتب تعليم الخط في المدارس وتسويقها في بعض المدارس الخاصة. يقول «حالي أفضل من حال الكثيرين، فبعد أن أوصدت أبواب الإعلان والإعلام ودور النشر والصحف أمام الخطاطين ولم يبق لهم سوى تخطيط بعض اللافتات ودعوات الأفراح، اضطر بعضهم للعمل في مهن مختلفة، حتى إن أحدهم عمل سائق تاكسي».
يترحّم حداد على أيام تلفزيون لبنان حين كان يكتب بالخط الأبيض على ورق أسود المقدمة التصويرية للبرامج ويقف أمام الكاميرا مبدلاً أسماء المعدين الواحد تلو الآخر لتصويرها. وهو يدرك أن التطور لا مفر منه، ولا سبيل لردعه، إلا أن مأخذه يتركّز في عدم اتخاذ الدولة لتدابير من شأنها إنقاذ الخط العربي الذي يمثّل تراثاً إسلامياً حضارياً تضيّع برامج الكمبيوتر معالمه (وخصوصاً الخطين الرقعي والديواني) وتشوهها لجهل واضعيها بأصول علم التخطيط، وإنقاذ حرفة التخطيط التي أصبحت مهنة برسم الموت.
يجتمع أعضاء النقابة الأربعون مرة كل ستة أشهر «ليشكوا بعضهم همّ بعض» وللتأكيد على مطالبهم الواضحة التي لم تلق صداها في أروقة الحكومة المشغولة دائماً بأولويات تجعل من مشكلة الخطاطين آخر الهموم...
عقد جوزيف حداد لقاءات مع ثلاثة وزراء هم جان عبيد وعبد الرحيم مراد وخالد قباني. وكانت حماسة الوزراء متشابهة في الحالات الثلاث. فبعد دعوتهم على مراحل زمنية مختلفة إلى حضور معارض يقيمها، كانوا يثنون برفع النظارة والاقتراب من اللوحة قائلين: «شو هالخط الحلو يا جوزيف». وبلغت الحماسة بآخرهم، الوزير خالد قباني، أن يطلب من النقيب إرسال كتاب رسمي يلخّص مطالب الخطاطين.
أرسل حداد على الفور كتاباً اقترح فيه أن تجيز الوزارة لمديري المدارس الرسمية شراء دفتر خط، وخصوصاً أن جميع من يعملون في الحقل التربوي يشكون من خط التلاميذ الرديء الذي يعرّضهم أحياناً للرسوب في الامتحانات الرسمية، فلمَ لا يكون هناك حصة خط كما حصة الرسم؟
كما تضمّن الكتاب اقتراح إجراء دورات تعليمية لمعلمات وأساتذة الصفوف الأساسية يقيمها خطاطون معتمدون من وزارة التربية أو من النقابة بعد أن يجتازوا دورة تجريها. من شأن هذه الخطة إذا ما نُفِّذت، توفير فرص العمل للخطاطين وإنقاذ الخط العربي من خلال تعليم أصوله للتلاميذ منذ صغرهم.
إلا أن النقابة لم تتلقّ رداً حتى الساعة... ويقول النقيب إنّه يتفهّم أولويات الحكومة حالياً: «ما إلي عين روح إسأل وين صار هلأ».. لكن وجب التذكير.