جوزف سماحة
الرد الإيراني على قرار مجلس الأمن الرقم 1737 متوقّع: نحن مستمرون في برنامجنا النووي، وفي عمليات التخصيب. وأكثر من ذلك، سنسرّع الخطى. لم يكن يفترض بأحد الاعتقاد بأن إجراءات ضد أفراد ومؤسسات ستكون «مفيدة». لا وجود لأي تناسب بين القضايا العالقة والخطوات المتخذة.
لا يعني ما تقدم أن القرار غير مهم. إنه مهم في الإجماع الذي تحقق عليه، وفي الوجهة الجديدة التي حددها بعد شهور من المفاوضات المضنية. غير أن أهميته محدودة. وكونها محدودة قد يكون أهم ما فيها.
ستتعامل طهران ببرودة مع 1737. لقد راقبت كيف أن كوريا الشمالية وصلت إلى حيث تريد في ظل الضغط الممارس عليها. ومع اختلاف الشروط بين الحالتين فإنه ليس اختلافاً يقود إلى سلوكيات متناقضة: فكوريا، رغم كل شيء، ليست في موقع أقوى من إيران أو، على الأقل، لم تكن كذلك حين رفضت «الإملاءات» الخارجية.
صحيح أن إجماعاً حصل في مجلس الامن. لكن الأصحّ هو أن الحلقات الأضعف تحكّمت بهذا الاجتماع ورسمت له سقفه المنخفض. وما لا شك فيه أن إيران تعرف جيداً التناقضات التي تخترق علاقات الدول الدائمة العضوية في ما يخصها. وهي تعرف، فوق ذلك، أن هذه التناقضات، في ما يتعلق بروسيا والصين على الأقل، مبنيّة على وجود مصالح مادية واقتصادية وتجارية واستراتيجية ملموسة ومتّجهة إلى ازدياد. ففي كسر حدّة الهجمة على إيران تتصرّف روسيا والصين بناءً على حسابات آنيّة ومستقبلية لا يمكن الاستهانة بها. ويؤثر موقف الدولتين على ثالثة هي فرنسا التي تغلّب الرغبة في التوافق ضمن الهيئة الدولية على أي انفراد قد تلجأ إليه الولايات المتحدة. إلى ذلك، تدرك طهران أن تباينات شرعت في الظهور ضمن النخبة الأميركية الحاكمة وأن هناك، في الإدارة نفسها، من لا يشارك الرئيس جورج بوش و،خاصة، نائبه ديك تشيني الميل إلى التشدد والانغلاق.
وبما أن القرار ينصّ على العودة إلى مراجعة تأثير العقوبات بعد شهرين فبالإمكان التقدير، إلا في حال حصول مفاجأة، أن إيران ستجعل من الستين يوماً مهلة لفرض وقائع جديدة وخاصة أن 1737، رغم صدوره تحت الفصل السابع، لا يتيح اللجوء إلى القوة العسكرية.
ويكفي المرء أن يكون متابعاً للإعلام الأميركي، ولما تضخّه مراكز الأبحاث والدراسات، ليدرك وجود تيار قوي يرفض عسكرة البرنامج النووي الإيراني طبعاً، لكنه يعدّد صعوبات الحل العسكري لهذه المعضلة عدا عن الصعوبة البالغة في الإقدام على مغامرة جديدة تكرّر المغامرة العراقية ويكون عنوانها تغيير النظام في طهران. ومتى تأكد الميل إلى استبعاد هذا البديل، في المدى المنظور على الأقل، تأكد، في السياق نفسه، الجنوح الإيراني نحو التصلّب بغضّ النظر عمّا قد يرافق ذلك من مناورات دبلوماسية يبادر إليها البعض ويحبطها... محمود أحمدي نجاد.
ليست العقوبات ردعيّة بما فيه الكفاية. وهي تأتي بعدما تبيّن، أيضاً، أن سلّة الحوافز المقدمة إلى طهران ليست مغرية بما فيه الكفاية.
قُدمت هذه الحوافز على مرحلتين. بادرت إليها، في المرة الأولى، «الترويكا الأوروبية» (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) وكانت تتضمن، بعد وقف التخصيب، عرضاً بالمساعدة التكنولوجية، والدعم الاقتصادي، وتلويحاً بضمانات أمنية مصحوبة باعتراف لإيران بموقع إقليمي. كان ذلك في ربيع 2005 وأدّى إلى استئناف التخصيب في صيف 2005. أما المرة الثانية فكانت في حزيران من هذه السنة. الجديد، هذه المرة، أن الولايات المتحدة عرضت أن تكون طرفاً في التفاوض (عبر صيغة 1 + 5) وأن تلتزم ما التزمه الأوروبيون. إلا أن هذه «الإضافة» لم تكن مقنعة كفاية لأنها خلت من كلام واضح على الضمانات الأمنية. ولقد أدّى هذا العرض الناقص إلى رفض إيراني افتتح المرحلة الأخيرة من الأزمة التي وصلت إلى محطة لها في قرار مجلس الأمن 1737.
لا ترغب روسيا والصين في عقوبات قاسية جداً على إيران. ولا تريد الولايات المتحدة تقديم إغراءات جدية جداً إلى إيران. وينتج من هذين الحدّين غياب استراتيجية واضحة يمكنها أن تكون مقنعة بغض النظر عن صوابها وعدالتها.
تبدأ هذه الاستراتيجية بالاعتراف بأن إيران تقف على تقاطع مجموعة من الملفات الحاسمة في حيويتها التي تمثّل المادة الرئيسية للسياسة الدولية حالياً وفي المرحلة التاريخية المنظورة: النفط إنتاجاً وطرق إمداد، الأسلحة غير التقليدية، «الإرهاب»، العراق، الإسلام الأصولي، الحدود مع الأطلسي عبر تركيا، أفغانستان، بحر قزوين، العلاقة مع القوى البازغة في آسيا، موازين القوى في العالمين العربي والإسلامي، قضية فلسطين، الأزمة اللبنانية، إلخ...
إن الإطلالة على هذه القضايا، وامتلاك سياسة وطنية واضحة حيالها، والشعور بالقدرة على التأثير فيها، إن ذلك كله يحول دون أن تكون العقوبات «الرخوة» جواباً، كما يحول دون أن تكون الحوافز «البخيلة» مدخلاً إلى تسوية..