جورج شاهين
كانت فرصة الأعياد مناسبة لالتقاط الأنفاس وإعادة جدولة الأولويات لدى كثيرين من الأطراف الأساسيين في المواجهة القائمة، في انتظار ما ستشهده البلاد في الأيام المقبلة، مع تجدد الحديث عن مبادرة ما لرئيس مجلس النواب نبيه بري، ينتظر الإعلان عنها قبل عيدي الأضحى ورأس السنة الميلادية، من دون الكشف عن أي من بنودها أو عناوينها.
وقالت مصادر سياسية مطلعة على حركة الوساطات وما انتهت إليه مهمة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إن الأخير ترك «وديعة» لدى القيادات اللبنانية بضرورة الإفادة من الاهتمام العربي والدولي بملف لبنان، وإحياء حركة الحوار الداخلي بأسرع وقت ممكن، ومهما كان الثمن، على قاعدة تنازلات متقابلة تعكس مدى فهم كل من يقدم على مثل هذه الخطوة للمخاطر المحيطة بالوضع، إذ إن ما ينتظر المنطقة من استحقاقات قد يجعل من الملف اللبناني آخر الملفات المطروحة على لائحة الاهتمامات الدولية.
وتقول المصادر إنه لم يكن مأمولاً من المبادرة العربية أكثر مما حققته، نظراً إلى حجم المصاعب التي واجهتها، ليس على الساحة اللبنانية فحسب، حيث تحكمت بها الشروط والشروط المضادة التي قاربت الثوابت التي لا يمكن التراجع أو التنازل عنها، بل إن الولايات المتحدة كانت قد دعت منذ أن أنهى موسى زيارته إلى المملكة العربية السعودية، إلى تجميد الوضع على ما هو عليه، في انتظار البتِّ بمستجدات العراق وملف العقوبات ضد إيران ونتائج التفاهم الذي حققته واشنطن مع موسكو والدول الأعضاء في مجلس الأمن، ما قاد إلى إجماع أعضاء المجلس على القرار 1737 الذي اعتُبِر متنفساً يمكن من خلاله إعادة النظر الأميركية بشؤون الملفين اللبناني والفلسطيني من موقع قوي يسمح لواشنطن وحلفائها بممارسة أقصى الضغوط لتحقيق الحد الأعلى من الإنجازات الممكنة.
وعلى هذه الخلفية الدولية لمهمة موسى، تعترف أوساط الموالاة بأن موسى انتهى إلى الاعتراف لها بأحقية مطالبها، ولذلك بدا للمعارضة أنه بات طرفاً في الأزمة أكثر مما هو وسيط، وخصوصاً عندما حذر من أن التصعيد الذي تهدد به المعارضة سيأتي بتصعيد من الجهة الأخرى.
ورأت المصادر أن المعارضة «استنفدت آخر أوراقها، وأن الاستمرار في الشارع لم يعد في مصلحتها على كل المستويات، وعليها إعادة النظر بالمخططات كافة بشكل شامل، فلا تتوهمن أن الناس سينزلون مرة أخرى إلى الشارع لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية وجيهة، وعليها التثبت أن التظاهرات الكبرى التي شهدتها البلاد سابقاً باتت من التاريخ».
وعلى الجبهة المقابلة تستخف المعارضة بهذا «الطرح السطحي»، وتقر للموالاة «بمجاراة الدعم الخارجي ليشكل تعويضاً لها عن خسائر الداخل، فأعطت أهمية للمواقف الدولية الداعمة، الأوروبية منها والأميركية بنوع خاص، وراهنت منذ بداية الأزمة تارة على إسقاط النظام السوري، وتارة أخرى على ضرب إيران بعدما راهنت على سقوط المقاومة في حرب تموز. لكن هذه الأكثرية لم تعط يوماً للأزمة أبعادها الوطنية اللبنانية ولم تعر أيضاً لعناصر قوتها الداخلية أي اهتمام، وأصرت منذ البداية على إعطاء النصر الذي تحقق في هذه الحرب لسوريا وإيران للتهرب من الأثمان اللبنانية الداخلية لهذا الانتصار، بالتنازل عن بعض ما استأثرت به من سلطة في كل الميادين».
وتشدد المصادر على أن المعارضة «لم تخطئ حتى اليوم في حساباتها السياسية أو الشعبية»، متهمة الأكثرية بـ«الرهان على الخارج ليعيد إليها ما فقدته من رصيد في الداخل، وناصحة بـ«صحوة سريعة من غفوة الدعم الدولي قبل فوات الأوان، إذ إن التاريخ يذكر في أكثر من محطة أن مثل هذا الدعم قد يتبخر في لحظة ما، إن لم ينعكس سلباً على كل من راهن عليه».
وما بين المنطقين تأتي الإشارة إلى مبادرة بري لتعطيها الأهمية المنتظرة، ومن دون البحث في ما يمكن أن تحدثه من متغيرات أو مفاجآت، تبدو الساحة مفتوحة على شتى الاحتمالات السلبية منها والإيجابية، مهما قيل إن الساحة مضبوطة وممسوكة، فالساعون إلى التآمر يدركون من أين تؤكل الكتف، ويعرفون كيف يختارون الهدف والتوقيت المناسبين ضماناً للإصابة القاتلة!