strong>أنطون الخوري حرب
التهديد بالتصعيد هل هو موضع اجماع؟

كلّما اقتربت نهاية عام 2006، كبر تساؤل الرأي العام عن الخطوات المقبلة للمعارضة. وبمقارنة ما قيل على لسان الوزير السابق سليمان فرنجية وعدد من مسؤولي القوى المعارضة، وما أنجزته هذه الأخيرة حتى اليوم، يمكن للمراقب أن يستنتج بأن الخطوات التصعيدية التي نفّذت في ساحتي الشهداء ورياض الصلح حتى اليوم لا تتعدى الحشد الجماهيري الهادف إلى تظهير الحجم الأكثري للتأييد الشعبي لمطالب المعارضة، الذي ينطلق أساساً من عدالة مطالبها على قاعدة المشاركة المتكافئة في الحكم.
لكن تعنّت السلطة وتصلبها، وفشل الوساطات العربية، وتعطيل الانحياز الأميركي ــ الفرنسي لأية مبادرة دولية، وإخفاق المبادرات المحلية، مثل مبادرة رؤساء الحكومة السابقين ومبادرتي «الجماعة الإسلامية» والدكتور فتحي يكن، إضافة إلى ما هي آيلة إليه مبادرة «القوة الثالثة»، تضع قادة المعارضة أمام جملة أسئلة يطرحها جمهورها: هل تتواصل الاعتصامات على وتيرتها في مقابل صمّ السلطة آذانها بعدما وصل التجييش الشعبي في الشارع إلى ذروته من دون أن يؤدي إلى نتيجة؟ وهل صحيح أن الاعتصام الحالي سيستمر أشهراً، وربما حتى نهاية ولاية الرئيس إميل لحود على النمط ذاته؟ وهل ستبقى فكرة العصيان المدني مدرجة على جدول أعمال المعارضين؟ وهل هي موجودة أصلاً؟ وهل فكرة تصعيد الضغط المعارض بسدّ منافذ السرايا الحكومية وقطع طريق المطار وبعض المرافئ موضع اتفاق بين أقطاب المعارضة؟
أصبحت المعارضة أمام امتحان تقديم الإنجازات لجمهورها، فإما أن تحصل على الثلث الوزاري المعطل ــ وهذا في نظر السلطة بعيد المنال من دون الحصول على المحكمة ذات الطابع الدولي بشروطها ــ وإما أن تحصل على تغيير رئيس الحكومة، وذلك يقابله تغيير رئيس الجمهورية وفق شروط السلطة ــ وهو ما تعدّه المعارضة هزيمة كبرى لها ــ وإما أن تتدخل قوّة كبرى أو أن يقع حدث دراماتيكي كبير يفرض على الطرفين تنازلات متبادلة، وهذا ما يراه المراقبون ضرباً من الخيال. ماذا يبقى إذاً للمعارضة من خيارات قابلة للتحقيق؟
بحسب المراقبين، بقي أمام المعارضة أن تلجأ إلى نقل «الكباش»مع السلطة من أيدي القادة إلى المجتمع السياسي، وذلك بتركيز المطالبة وحصرها في قانون انتخابات جديد على قاعدة الديموقراطية التوافقية، ما يجعل حلّ الأزمة الحالية برسم الرأي العام. فإذا تمسكت السلطة بقانون عام 2000 لمقايضته بالانتخابات المبكرة، تكون قد أعطت المعارضة انتصاراً سياسياً من خلال تأييدها من الرأي العام، وانتصاراً عددياً في المجلس النيابي من خلال التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل في الجنوب وجبل لبنان والبقاع. وإذا أعطت السلطة للمعارضة قانوناً انتخابياً ترضى عنه المرجعيات الروحية والقوى السياسية المسيحية، أي قانون القضاء أو الدائرة الفردية أو النسبية، يكون ذلك انتصاراً مدوّياً للمعارضة تترجم أصداؤه فوزاً كبيراً لها في الانتخابات التشريعية. وبحسب هذه المعادلة يصبح انتصار المعارضة مؤكداً في الحالتين .كما ان رفض السلطة السير بالانتخابات يحشرها بمشهد الخوف من انتصار المعارضة.
وحتى إذا افترضنا أن الناخبين لم يعطوا المعارضة الأصوات الكافية للفوز بغالبية المقاعد النيابية، فإن تلك النتيجة تكون من مسؤولية المواطنين، لتبدأ بعدها مرحلة التحضير لانتخابات عام 2009.كما ان عناوين الأزمة الحالية وتعقيداتها، تصلح مادة مقنعة للمطالبة بمرحلة تأسيسية تقوم على ما يشبه الاستفتاء الشعبي على نوعية واستراتيجية القيادة السياسية، بعد انتهاء مرحلة السيطرة السورية على القرار الوطني اللبناني لعقود خلت.
فهل تنجح المعارضة في الالتفاف على تصدّي السلطة لها، المبني على حرص الأولى على الاستقرار العام، من خلال المطالبة بالاحتكام إلى الشعب وإعطائه زمام المبادرة لتحديد أفق المستقبل، بدل المطالبة المقتصرة على الثلث الوزاري المعطل؟