strong>جاد نصر اللّه
... وكَسَرَ رضوان صَمته. أراد التكلم عن تجربته المتعثرة مع «حزب الله». اعترف أخيراً بالسرّ الذي هَجَسَ به سنوات ثلاث حتى اختنق.…قبل عام خلا، طلب رؤية صديق مُقَرَّب. اتّصل به مُدعيّاً أنّ الأمر هام ولا يحتمل التأجيل. اتّفقا على الالتقاء في ساعة متأخرة من الليل. حضر رضوان في الوقت، وانتظر طويلاً أحداً لم يأتِ، لكن صبرَهُ ما نفد. وُفـِّقَ في اليوم التالي بالاجتماع مع صديقه المنخرط في صفوف المقاومة والغارق في دوائرها الضيقة منذ زمن. لـَخَّصَ رضوان له مطلبه بكلمات أربع «أريد العمل مع المقاومة». قالها وصَمَت. تَرَقّبَ ردَّ الفعل. اهتزت السيجارة بين أصابعه المرتجفة فاضحةً ارتباكه. لقد أدرك أن حياته انعطفت منذ اللحظة نحو مسار مختلف. فمجرّد الإفصاح عمّا اعتمل في نفسه لشهور طويلة رتّب عليه مسؤولية ضخمة.
«طُلِبَ مني أن أتوجه بطلبي خطياً، طبعاً من دون ذكر اسمي على الورقة. كان عليَّ أن أُعَرِّفَ عن نفسي، ماذا أريد وما هي دوافعي. ماذا أعرف وماذا أعتقد أنني أملك من قدرات ومهارات. وما هي المجالات التي أظنني قادراً على الإفادة فيها». أفرغ رضوان أفكاره على الورق. سَلّمها باليد وشعر بالارتياح. لقد أزاح ثقلاً جثم فوق صدره لشهور طوال. «كان الأمر أسهل مما تصوّرت. كل ما احتجته كانت الجرأة لأقنع نفسي أن التخيّلات التي تؤرقني أفكار قابلة للتحقيق. «ليس هنالك من أمر مستحيل»، أوَليس هذا المنطلق الذي شكل العامل الأساسي في نجاحات المقاومة؟».
انقلبت حياة رضوان رأساً على عقب منذ ذاك النهار. بات يشعر أن هناك من يترصّده في الجامعة وفي العمل وأينما ذهب. كما خال له أن هناك طرفاً ثالثاً يشاركه مكالماته الهاتفية ويتنصت على بريده الإلكتروني. «لم يزعجني ذلك. لم يكن لديّ ما أخفيه، إذ درست مسبقاً كل الاحتمالات التي سوف تترتب على قراري». سُرّ ابن الثالثة والعشرين بادئ الأمر بهذه اللعبة، وراح يرسم في رأسه سيناريوهات مختلفة للأدوار التي سوف يضطلع بها والمهمات التي يمكن أن توكل إليه. مرّت أسابيع من دون أي جواب. وحين أعاد طرق الباب مرة ثانية، قيل له إن هناك من سوف يتصل به قريباً. عاش على الأمل أشهراً أخرى الى أن عيِلَ صبره. «هجرني النوم، بِتُّ أجلس قرب الهاتف منتظراً رنينه». أصبح مستقبل رضوان مُعَلّقا بحبال اتصال «عيّاش» الهاتفي. مكالمة لم تتم حتى الساعة...
عندما بدأت الحرب الأخيرة على لبنان، دمعت عينا رضوان. في قلبه غصّة. كلُّ ما ابتغاه أن يكون جندياً في المعركة. وهو حين يعود بالذاكرة ليحكي عن قراره بالغوص في هذا العالم المجهول، يعترف أنه كان مدركاً لانعدام إمكان مشاركته العسكرية في عمل الحزب. والسبب في ذلك يعود إلى الاختلاف الديني والعقائدي والبيئة التي يتفاعل من خلالها، «ولكن ذلك لا يمنع أن أساهم في مجالات وقطاعات أخرى يعرف الحزب أنني أهلٌ كفايةً لدخولها». هو لا يفهم حتى الآن حائلاً دون عمله مع المقاومة إلا التعامل مع إسرائيل، «أوَليست وطنية، كما يزعمون!».
في قلبه غيظ شديد. هذه حال رضوان هذه الأيام. وهو إن أفرج عن أكثر أسراره خصوصية وقدسية فإنمّا ليوصلَ رسالةً لمن يهمه الأمر. لجأ الى اسلوب الاستفزاز بعد أن ضاقت خياراته الأخرى. «انتقلتُ الى المبادرة»، يضحك، مضيفاً أنه تعلـَّم هذا التكتيك منهم دون أن يلتقي أيّاً منهم.