عمر نشابة
مشاكل السجون في لبنان ما زالت تتفاقم. إضافة الى الاكتظاظ والنقص في الصيانة والأمن والمتابعة والمراقبة والقصور في الإدارة والتنظيم والمنهجية العقابية الإصلاحية، يكشف موسم الشتاء عن تعذيب من نوع آخر يتعرّض له السجناء. فمع غياب نظام التدفئة وتسخين المياه في كل السجون اللبنانية، وخاصة في المناطق الجبلية والبقاع، يعاني السجناء من البرد القارس المؤلم ما يعرّضهم للإصابة بالانفلونزا وبأمراض أخرى.
وزّعت قوى الامن الداخلي على السجناء بطّانيات صوفية مع بداية العاصفة لكن ذلك لم يكن كافياً، وهناك حاجة ملحّة لصيانة مباني السجون بحيث يمكن توفير التدفئة المناسبة للسجناء والحراس على حدّ سواء. فالقانون اللبناني يحدّد معنى العقوبة وكيفية تنفيذها ولا يجوز زيادة معاناة السجناء من خارج القانون. ولا شكّ في أن غياب التدفئة نوع من أنواع التعذيب حتى ولو كان مفروضاً من خارج إرادة الدولة. فمسؤوليات المؤسسات الرسمية لا تقتصر على منع التعذيب المباشر ومحاسبة المعذّبين بل تتضمّن تأمين الظروف المناسبة التي تليق بكرامة الانسان. وهنا لا تقع المسؤولية على قوى الأمن الداخلي بل على الحكومة وعلى وزارة العدل. فمنذ إنشائها، لم تقم الحكومة الحالية بأي جهد حثيث لمعالجة مشاكل السجون. ويبدو أن القيّمين عليها، بمن فيهم رئيسها، لا يولون اهتماماً لأوضاع لسجون والاصلاحيات اصلاً. وفي ذلك تناقض واضح: فليس منطقياً أن يطالبوا بإصلاحات في المؤسسات القضائية والامنية بينما يتناسون أوضاع السجون المزرية. ففشل النظام العقابي هو فشل نظام العدالة بأسره.
سيعود السجناء الى المجتمع بعد إتمام العقوبة. وإذا فشلت عملية الإصلاح والتأديب، يعاود السجناء السابقون نشاطهم الجرمي، ما يعني أن كلّ الإجراءات الأمنية والمراحل القضائية التي مرّ بها السجين منذ توقيفه وكلّ العمل الذي قام به القاضي والمدعي العام والمحامي والموظفون الرسميون تضييع للوقت وهدر للمال العام.
المعالجة تبدأ بتطبيق مرسوم إحداث إدارة في وزارة العدل تدعى إدارة السجون (رقم 17315 في 28/8/1964) تطبيقاً كاملاً. وهي مسؤولية وزير العدل، الذي تبدو طموحاته السياسية أهمّ من واجباته في وزارة العدل.
بعد غد ينتهي العام الثاني والأربعون من انتظارالتطبيق الجدّي للمرسوم 17315... هل ينتظر نظام العدالة أربعين سنة أخرى قبل إصلاح نظام «الإصلاح»؟