لبنان على حافة الهاوية
  • ديانا إسماعيل

    لعلها المرة الأولى التي أُستفز فيها سياسياً، هذا إذا صحّت التسمية (استفزاز!). هل يوجد تعبير يسمى الاستفزاز السياسي؟ ربما... إذاً علينا هنا ان نحتكم إلى أهل السياسة إذ هم (أنضج!) منا سياسياً وأكثر علماً منا بالتعابير المفترض استخدامها، لكن الوضع الآن أعمق من مجرد تعبير وأكثر يأساً من مصطلح سياسة. الوضع هنا أشبه باستشهاد وطن، لربما هي الكلمة الأنسب لوصف الحالة التي يعيشها لبنان، بدءاً من 14 شباط 2005، ولغاية يومنا هذا. فلا يزال لبنان ينزف قطرات استشهاده، إذ نراه يومياً يصارع ألوانه ويبكي أحلامه.
    يجلس اللبناني في منزله ويشاهد آلاف اللبنانيين يمارسون حقهم الشرعي في التعبير الديموقراطي، هذا الحق الذي لطالما تغنى به لبنان حتى أصبح عنواناً للعديد من الفقرات والنماذج التربوية وشعاراً لغيرنا من الدول القابعة تحت وطأة العروبة المصطنعة. تبدأ القصة عندما كنت في إحدى سيارات التاكسي متوجهة الى منزلي. كنت أُغرق ناظري في شوارع بيروت وبيوتها الحزينة في موسم الأعياد فاستفزني بشدة صوت السائق يتحدث مع صديقه عن الوضع في لبنان، كنت أسترق السمع فيما عقلي لا يزال منشغلاً بتحليل الحزن الذي يسيطر على مدينة الأفراح (بيروت). كان الحديث يدور حول الفريق الآخر (فريق الله) بحسب وصفه وكان منفعلاً حتى خلته وطنياً بامتياز لشدة تأثره بما يعانيه وطنه. هذه المعاناة التي قادته للجوء الى المهدّئات اليومية. كان يتحدث عن شهادته «المرمية» في إحدى زوايا المنزل وكأن حاله ليست كحال معظم اللبنانيين. واستطرد بانفعالٍ محمّلاً فريقاً من اللبنانيين مسؤولية تدمير البلد وتعطيل الاقتصاد (وكأن الاقتصاد كان يوماً غير عاجزٍ أو غير معطل ولو جزئياً)، ثم علت نبرة انفعاله أكثر صابّاً جامّ غضبه على دول ليست ببعيدةٍ عنّا محملاً إياها مسؤولية تردّي الأوضاع الاقتصادية في البلاد. وأنا في هذه الأثناء كنت أنصت لحديثهما بخجلٍ وشغفٍ، خجل من نوعية الأحاديث التي أصبح اللبناني يتناولها مع أخيه الآخر، وشغف لأعرف عن هذا النموذج الذي يمثّل العلم من جهة والمثال لحالة اقتصادية تدفع بالعديد من المتعلمين إلى اللجوء الى أنواعٍ من العمل لا يعيبها سوى أنها لا تقارن بعدد الليالي التي قضاها يساهر الكتب ويصادق المعلومات. وفجأة انتقل الحديث من تحليل منطقي حق لكل لبناني الى منحى هجومي وعدائي حيث أشار لصديقه بصوتٍ لا يعوقه الخجل فقال: «دبرلي سلاح، يا زلمي لح جن بدي سلاح». فرد صديقه قائلاً: «السلاح موجود، ولكن هل تملك المال النقدي للدفع». فأجابه السائق: «إذا كان السلاح من النوعية المطلوبة فسأرهن نمرة السيارة وأسدد ثمنه نقداً». بعدها دخلا في حديث طويلٍ عن مواصفات السلاح المنوي شراؤه فكان الموضوع حماسياً لكنه لم يؤخر السائق عن تذكير صديقه بأن السلاح هو مجرد أداة لحماية نفسه (حماية اضطرته إلى رهن المصدر الوحيد لرزقه. أهكذا أصبح تفكير أهل الثقافة والعلم!). دفعتني هذه الحادثة الى التساؤل عن لبنان اليوم. هل حقاً علينا ان نكون في هذه الساحة أو تلك؟ وهل حقاً أصبح الحديث عن القتل بين اللبنانيين مشروعاً ليس ببعيدٍ وفكرة ليست بمستحيلة. أنا هنا من موقعي كمواطنة وطالبة لبنانية، أطالب أهل الصحافة وأناشد أصحاب الشأن (الطبقة السياسية) بأن ينقذوا وطنهم من الضياع وأبناءه من التهوّر والارتماء في أحضان المجهول، والعودة الى أحضان الوطن حيث نلملم أفكارنا المبعثرة من الساحتين ونكوّن رؤية لوطنٍ ومستقبلٍ أفضل. وليكن ثمن الرهان أسمى من مجرد بندقية موجّهة إلى نصفه الآخر.


    العماد عون والسيد نصر الله

  • علي كلاكش

    إذا نظرنا للتيار الوطني الحر وحزب الله، نجد أنهما يشكلان «حالة غريبة» عن المجتمع اللبناني. فهما الحزبان الوحيدان اللذان برزا على الساحة اللبنانية من دون أي خلفية إقطاعية أو طائفية أو على علاقة مع أي من مكونات الحياة السياسية اللبنانية التقليدية ومنظوماتها. فالعماد ميشال عون الآتي من المؤسسة العسكرية يكاد يكون الزعيم المسيحي الوحيد الذي لا ينتمي إلى أي من العائلات المسيحية التقليدية، وبالتالي نجد أنّ خطابه وطني عابر للطوائف وهو يتمتع بحضور قوي عند مختلف الطوائف. أمّا السيد حسن نصر الله فهو قائد تاريخي بكل ما للكلمة من معنى، وسواء اتّفقت معه أو لم تتّفق، لا يمكنك إلّا أن تعترف بالذكاء الحاد والكاريزما العالية والشخصية الضخمة التي يتمتع بها. فهو الرجل المعمّم الذي ينـــــــبذ الطائفية، وهو أبو التحرير والانتصار والذي يدعو الى التواضـــع، فهو الرجل القوي في لبنان الذي يدعو الى المساواة والاعتراف بالآخر.