ابراهيم عوض
كثرت في الأيام الأخيرة المواقف الصادرة عن قوى وقادة في الأكثرية تركز على ما تسميه «الخسارة الفادحة والموجعة» التي يلحقها اعتصام المعارضة القائم في ساحتي الشهداء ورياض الصلح بالناتج المحلي وبالوضعين الاقتصادي والمالي في لبنان، في محاولة لإظهار الفريق الأكثري على أنه الحريص والمدافع عن لقمة عيش المواطن، فيما الآخرون، والمقصود هنا المعارضة، يزيدون من معاناته ويحرمونه فرص البحبوحة، كما يتسببون بتعطيل الحركة السياحية التي طالما ذكر أنه يعوّل عليها الكثير في فترة الأعياد ورأس السنةوفيما كان تناول الأكثرية لهذا الجانب يأتي عرضاً ومن خلال تصريحات ومقابلات صحافية وتلفزيونية، إذ به يأخذ منحى آخر في الآونة الأخيرة ليصبح مادة رئيسية على طاولة البحث ومحور البيانات التي تصدر جراءه، كما ظهر ذلك جلياً في الاجتماع الدوري الذي عقدته كتلة نواب «القوات اللبنانية» برئاسة رئيس الهيئة التنفيذية الدكتور سمير جعجع أول من أمس.
فقد اعتبرت «القوات» في بيان تلاه النائب أنطوان زهرا أن «استمرار احتلال الساحات العامة في وسط بيروت وإقامة المنشآت عليها أصبح من باب التخريب ليس إلا، ولا يدخل في أي شكل من الأشكال في إطار الحريات الديموقراطية (...) كما انه يطال مصالح فئة من اللبنانيين وأرزاقهم، بالإضافة إلى تأثيره سلباً وبشكل كبير على الاقتصاد اللبناني المريض». وذهب البيان إلى حد «مطالبة الحكومة والسلطات القضائية المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة الوضع في وسط بيروت إلى طبيعته».
وينطلق فريق السلطة والأكثرية في حملته المركّزة الجديدة على المعارضة بعد محاولة ضربه على وتر الشحن المذهبي والطائفي، من كلام صدر عن وزير المال جهاد أزعور أعلن فيه أنه مع كل يوم اعتصام يخسر الناتج المحلي أكثر من سبعين مليون دولار، وهو الرقم الذي استعان به البطريرك نصر الله بطرس صفير في حديثه إلى محطة «ال.بي.سي» قبل أيام ليعبّر عن استيائه من استمرار المعارضة في اعتصامها «الذي لا يطمئن ولا يأتي بالثمرة المرجوّة بل ينذر بشرّ» على حد قوله.
وتبدي أوساط سياسية محايدة استغرابها لما صرح به البطريرك بهذا الخصوص متناسياً فترة التظاهر والاعتصام الطويلة التي أعقبت جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وامتدت أكثر من أربعة أشهر. كما ان وزيراً سابقاً تسلّم حقيبة سيادية في حكومة الرئيس عمر كرامي الأخيرة وجد في ما طلع به أزعور إقراراً غير مباشر منه بحجم الخسائر الكبيرة التي لحقت بالخزانة وبالمستهلك اللبناني جراء «ثورة الأرز». ويوضح الوزير المشار إليه ما عناه بالقول إنه لو سلّمنا جدلاً بأن موجة التظاهرات والاعتصامات وحركة الشلل التي عاشها لبنان إثر اغتيال الحريري اقتصرت على ثلاثة أشهر فقط، فمعنى ذلك أن خسارة الناتج المحلي بلغت حينذاك 6،3 مليارات دولار، أي أكثر مما يمكن تحصيله من «باريس 3»، فيما اعتصام المعارضة الذي ينهي شهره الأول بعد غد يفقد الناتج المحلي مليارين ومئة مليون دولار وفقاً لحسابات الوزير أزعور بالطبع.
ويلفت الوزير البارز السابق هنا إلى أنه بالإضافة إلى أرقام الخسائر المتعلقة بـ«ثورة الأرز» فإن الوسط التجاري عانى لأشهر من حال الجمود وانعدام الحركة، الأمر الذي حمل النائبة بهية الحريري على تنظيم حملة لإعادة الوضع إلى طبيعته. كما يكشف أن صناديق المالية، طوال التظاهرات والتحركات التي انطلقت بعد الرابع عشر من شباط 2005، بقيت معطلة، وهو ما أفقد الدولة عشرين في المئة من مدخولها، وذلك خلافاً لما هي عليه الحال مع اعتصام المعارضة حيث لم تتعــــطل الأعمــــال ولم تشـــــلّ المؤسسات.
ولا تفوت الوزير نفسه الإشارة إلى أن رقم السبعين مليون دولار الذي توصّل إليه الوزير أزعور يقود إلى استنتاج مفاده أن إبقاء المعارضة على اعتصامها لعام كامل على سبيل المثال يتسبب بخسارة في الناتج المحلي يفوق الـ25 مليار دولار، والمفارقة هنا أن الناتج المحلي اللبناني لا يصل إلى 21 أو 22 مليار دولار على أبعد تقدير، وهذا يعني أن البلد كله معطل.. فهل هو كذلك؟
* الجواب عند الوزير أزعور الذي تعذّر الاتصال به أمس، لانشغاله في اجتماعات مغلقة كما أفاد مكتبه.