أنسي الحاج
غير مهمّ كيف، المهم أن تستطيع البقاء حرّاً. مهما تضخّم الخوف يجب أن تحمي منطقة داخل رأسك وتخبّئها لما لا يُطال. اسرقْها سرقة.

أصداؤهم قناديل تجوس في ظلامِ تحتَ أرضكَ.

كان كلّما قابل امرأة وشعر برغبة في قتلها بادَلَتْه بحبّ حتى التفاني، وكلّما قابل امرأة شعر برغبة في حبّها حتّى التفاني، بادَلَتْهُ بقتله!

اذهبْ في الشكّ حتى النهاية، بدون لجم احتمال الظلم. لعلّك تقتلع الشوكة.
... لكنّك تكره وجهكَ بعدها، وجهك المسرور بظلمه المرتبك بانتصاره، الجبان الهارب من عينيه.
لن تقيم إلاّ في الشكّ. في الشوك. وحتّى النهاية لن تعرف أنك ماضٍ إلى النهاية.

ما تَهْرب منه يعثرُ عليك!

أنْ نظلّ أمام الأحياء في حالة غفران كما لو أمام حالة موت فاجع.

لا تسألني أكثر، حتّى لا أكذب!

«الشَعْر أحد الوجهين». (حمزة بن الحسن الأصبهاني).

الشيطان «الأدبي»، ذلك الذي تخيّلَتْه الروايات والأساطير، هو أقلّ إيذاء من الشرّ الحرّ الحقيقي في الطبيعة والكائنات.
إذا كان الشيطان هو هذا فقط، تارة ملاك التمرّد المقهور وطوراً الأداة السلبية في يد الخالق، فما علاقته بالشرّ!؟
لا تبدو كبيرة. والذين يلحّون على تكبيرها غالباً ما يقعون في المبالغة الكاريكاتوريّة، ويظلّ الشيطان أصغر من أن يكون أبا الشرّ.
كأنَّ الشرّ يتيم!...

أيّهما أفْضَل: واحد لا يؤمن بالله، أم آخر لا يتذكّره إلاّ ليَكرهه؟

ينحطُّ بعض الرجال، في ممارسات معادية للأخلاق والتقاليد، كما تنحدر النسور لكي، بعد أن تعود إلى التحليق، تُعيد تنظيم الهواء.

كلّما حلّت نكبة ببلدٍ ما «يكتشف» أهله ظلم الدنيا.
دهشة دائمة التجدّد، صدمة مرعبة كلّما زلزلت شعباً (أو فرداً) ظنّها الأولى في التاريخ.
هل من علاقة بين سذاجة الإنسان أمام أهوال الزمان وإصرار هذه الأهوال على مطاردته؟
هل تستجلب سذاجتُه ساديّة العالم ووحشيّة التاريخ؟
لماذا لا يقف الإنسان أمام الآلهة الساخرة الساحقة ويبادلها الوحشيّة باللامبالاة عوض صراخ الألم، والظلم بالاستهتار بدل دموع الضحيّة؟
لعل الآلهة تبحث عمّن يأخذ دورها لتستعير هي دور الضحيّة. لعلّ التاريخ تعب من دَوَرانه، فلنتوقّف عن تلقيمه بدهشاتنا.
وحين لا نعود «نكتشف» المكرَّر المعاد، يتوقّف التاريخ عن الإعادة.

الرغبة طاقة كهربائيّة حرّة في الفضاء، إلى أن تجد مصباحها.
تستطيع الرغبة أن تضيء عبر مصباح واحد أو ألوف المصابيح. كما يمكن أن تستضيء بنجوم ذاتها: عقمٌ يذود عن خصْب أكبر.

ما من جمال يَستنفر الرغبة في بلوغ الغاية الجنسيّة معه إلاّ يكون في الأساس حاملاً لـ«دَنَسه»، وإن بدرجات متفاوتة وأحياناً بأقنعة وإشارات تزيد الرغبة فيه.
الرجل لا ينتقل من براءة وجه امرأة لـ«يدنّس» جسدها كأن تقول: أطلَعه المضيفُ على كنوز بيته فغافله وسرقها. الرجل ينتقل من الوجه البريء إلى الجسد المخبوء لأن المسافة بين الوجه والجسد المخبوء كالمسافة بين اليقظة والنوم.

الجاذبيّة تحتاج إلى مخاطبة،
كالأزهار وشتلات الزينة.
إلى ريّ.
ترتوي من الناظرين. تشرب من الإعجاب. تنتعش بالجوّ المرحّب.
والجاذبيّة «تُحسّ» رؤى الخيال الذي تستثيره، تعرف بالغريزة. والجاذبيّة المعزولة في وحدتها لا تزول لكنّها تتحوّل، كما لدى بعض السجناء أو النسّاك، هيئةً مهيبة، موحشة، تمور بالظلال.
الجاذبيّة تَسْتنزل النعمة، تَدْرأ الموت، لكنّها تحتاج إلى من يبتسم لها.

حين تَغيب تُصيب.

كما أنّنا لا نعمل دوماً ما يجب مع مَن نُحبّ، كذلك لا نعمل ما يجب مع مَن نكره. ربّما لا نَعْدِل إلاّ مع الذين لا نهتمّ لهم كثيراً.

أَخفُّ من النسيم هو ما يقال خلسةً.
لا تَقُلْه ليدوم بل ليَعْبر، فيدوم. الطَيف أَخْلَد من الجبل.

عندما يصبح الزائف أقوى من أن يُدْحَض
وتنعدم احتمالات التنفّس
ويتساوى الرفض والقبول
والتكيّف والتميّز
والمماطلة والصبر
والدماغ والفراغ
والوجود والتنكّر
واللانهاية واللاعودة
عندما يدعو كلُّ شيء إلى التخلّي والتصلّب معاً
وإلى الخَدَر والحَذَر
والموافقة والشجب
والركض والجمود
عندما بلا نهاية
أحرى تحويل المحتوم إلى مختار، والقَدَر إلى حريّة، والقهر المفروض إلى نهج منتقى بسرور.
ليس هذا هو الردّ الأفضل لكنّه ردّ.
وإن لم يُغيّر، فإنه على الأقلّ يواجه العَبَث المستهزئ بعَبَث مستهزئ.
ويكون للضحيّة، مرّةًَ، الكلمة الأخيرة!