طارق ترشيشي
استوقف الأوساط السياسية التصعيد العنيف لرئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط. وإذ تساءلت عما إذا كان دافع جنبلاط إلى هذا التصعيد نزوة أو توتراً يعيشه في هذه المرحلة التي تشهد تطورات محلية وإقليمية ودولية متلاحقة، فإنها تنقسم في تحديد أسبابه إلى فريقين:
الأول يقول إن جنبلاط يريد في هجومه الجديد أن يقول لكل الجهات صاحبة المصلحة في ضرب حزب الله إن لا أحد غيره يمكنه أن يقول الأشياء كما هي، وهو أراد أن يضع الحزب في حال دفاعية حول مواضيع أمنية لا سياسية. ثم إن دافعه إلى ما قاله أيضاً توتره من اتهام نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم له ولقائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع أخيراً بجر الشيعة والسُّنَّة إلى فتنة. وقد شعر بأن هذا الاتهام أصابه في الصميم، لأن كلام قاسم يدفع قيادات سنية إلى التساؤل: هل سيقاتل جنبلاط حتى آخر سني؟ ويضيف هذا الفريق ان جنبلاط يريد أن يقدم نفسه فارس الهجوم على سوريا وإيران وحزب الله، وهذه القوى الثلاثة موضع استهداف من قوى عربية ودولية.
لكن هذا الفريق يعتقد أن هناك سببين لهجمة جنبلاط الجديدة: الأول، توافر معلومات عن مساع تبذل لعقد لقاء بين السيد نصر الله ورئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري. والثاني، شعور جنبلاط بأن مشروع إنشاء المحكمة الدولية لن يقر في الصيغة التي يريدها هو والفريق الذي ينتمي إليه، خصوصاً بعد بيان الخارجية الفرنسية الأخير الذي يشدد على وجوب التوافق اللبناني على المحكمة والموقف الروسي المحذر من تسييسها، وسعي وزير العدل شارل رزق إلى إدخال تعديلات على مشروعها. ويرى هذا الفريق أن جنبلاط تعلم درساً من موقف والده الذي لم يتصدَّ للاتفاق الذي عقد في قمتي الرياض والقاهرة، حيث كان يحاول في هدوء، العودة إلى المعادلة. لذا فإنه يعتقد أنه إذا سكت ستمر التسوية على حسابه، أما إذا رفع الصوت فقد يحسب حسابه، وإذا لم يحسب حسابه يكون قد اتخذ موقفاً مبدئياً.
وإلى ذلك فإن جنبلاط راهن على الإدارة الأميركية، وهي الآن في مرحلة انتقالية، وفي هذه المرحلة يلجأ إلى ما هو معمول به في العلم العسكري، وهو تغطية انسحابه من الميدان بنيران سياسية.
الفريق الثاني من السياسيين يعتقد بأن جنبلاط أراد في تصعيده المفاجئ الآتي:
أولاً، أن يحجز لنفسه مكاناً للمشاركة في النقاش الدائر أميركياً حول الخيارات المقبلة في شأن مستقبل الوضع في المنطقة، فقال للأميركيين من خلال اتهاماته لحزب الله بالتورط في الاغتيالات إلى جانب دمشق «خذوا هذه الهدية مني وضعوها في حسبانكم أثناء النقاش في ما ستقررونه في شأن لبنان والمنطقة». وقد تكون توافرت لديه معطيات ما عن توجه لدى واشنطن إلى التصعيد في العراق عبر زيادة عديد القوات الأميركية، مضافاً إليه تصعيد في لبنان وفلسطين وربما في مناطق أخرى ينتهي بتسويات.
ثانياً، التصعيد في اتجاه الموقف الأميركي في الزاوية اللبنانية، لدفع واشنطن إلى التصعيد بدورها ضد خصوم الأكثرية، أي المعارضة. ويرى هذا الفريق أن تصعيد جنبلاط يمكن إدراجه أيضاً في اتجاه تقديم عناصر للموقف الأميركي التصعيدي في المنطقة خلافاً لمضمون تقرير لجنة بيكر ــ هاملتون، وهو أراد تحميل حزب الله «الجرم الجنائي» في الاغتيالات بعدما كان حمله «الجرم السياسي».
ويخلص هذا الفريق إلى أن احتساب موقف جنبلاط في إطار ردود الفعل الداخلية تبسيط له، لأنه متصل على ما يبدو بتطورات في المنطقة طابعها تصعيدي، والمرجح أنه تلقى معطيات تفيد بأن الإدارة الأميركية لن تتراجع أمام تقرير بيكر ــ هاملتون، لذا اندفع إلى التصعيد ليواكب أي قرار باحتمال هجوم يمكن أن ينتج من النقاش الأميركي الدائر حالياً.