strong>فداء عيتاني
لم تكد ساعات قليلة تمضي على تأكيد رئيس كتلة «المستقبل» سعد الحريري أمام زواره على ضرورة ترجمة مناخ التهدئة في الشارع وتخفيف الاحتقان، حتى خرج رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط مخاطباً الجمهور السني بما مفاده ان «حزب الله فارسي سوري خطف الطائفة الشيعية»، وأنه «متورط» في دم الرئيس رفيق الحريري وفي عمليات الاغتيال اللاحقة والسابقة.
وبعدما حدد قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع وجهة العدو في خطاب 14 شباط، أدت خشية «مفتي الطائفة السنية» وليد جنبلاط من تراجع حدة الاحتقان الى احراقه المراكب في البحر. إلا أن للسنة، ربما، مشاريع واتجاهات اخرى تبدأ بالبروز رويداً رويداً.
«جبهة العمل الاسلامي» التي يقودها الداعية فتحي يكن تحفر في الصخر، وهي تنهي مجموعة من التفاصيل المتعلقة بالتمويل الذي سيأتي من اطراف في حركة «الاخوان المسلمين» (لطالما عذّب يكن حلفاءه برفضه الحصول على تمويل منهم او من جهات لا يوافق عليها)، وسيجري العمل لتمكين الجبهة من الانتشار، خصوصاً في الشمال، من دون أن تبتعد عن الشارع البيروتي او الجنوبي، مع أن مصادر تتابع حركة يكن وتلتقيه تقول انه يدرك تماماً ان انتشار قواعد جبهته قد لا يطول اهل السنة من غير الملتزمين دينياً، وهو التعبير الذي يفضل الداعية الاسلامي استخدامه بدل «العلمانيين».
يعرف المعارضون، وأهمهم «حزب الله» والتيار الوطني الحر، أن مئات من الشبان من المناطق السنية الساحلية والداخل حملوا خلال عدوان تموز سلاحهم متأهبين للتصدي لأي إنزال اسرائيلي مفاجئ، اكثرهم ينتمون الى «السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال» التي انشأها «حزب الله» عام 1998. هذا السلاح الذي لم يظهر للعيان هو غير ذاك الذي يرصده الحزب منذ ما بعد مقتل الرئيس الحريري، «اذ ثمة مئات من قطع السلاح الفردي وزعها وليد جنبلاط على شبان من السنة، وليلة خروج تظاهرات في بعض شوارع بيروت الصيف الماضي احتجاجاً على برنامج «بسمات وطن» طلب رئيس اللقاء الديموقراطي، بالواسطة، ممن وُزّع السلاح عليهم التصدي للشيعة، وهو اليوم يعيد تأسيس علاقته مع اطراف من قادة الميليشيا الكردية التي حاربت معه في الحرب الاهلية» بحسب احد قادة «حزب الله»، وهو يؤكد أن جنبلاط «الذي لن يذهب الى الحرب الاهلية، يحاول الافادة من اجواء فتنة بجنود السنة والاكراد وغيرهم من دون أن يورط الجبل في أية مواجهات هذه المرة».
بات «حزب الله» أكثر ميلاً الى الصراحة بعدما أحرق الخصم سفنه. قياديوه لم يعودوا يكتفون بالتلميح، بل يقولون إن الخلاف ناتج من مشروعين، «احدهما اميركي بالكامل، وإن كانت التهمة بأن المشروع الآخر هو ايراني ــ سوري فإن الرد بأنه مشروع مقاوم للاميركي وللاسرائيلي في المنطقة، ولو كانت الاكثرية تملك مشروعاً داخلياً لانخرطت في تسوية، او على الاقل لاستمعت الى المبادرات بدل احراقها قبل ان تبلغ اسوار السرايا الحكومية، علماً بأن الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله قدم ضمانته الشخصية لكل من عملوا على طرح المبادرات، بأن وزراء حزب الله في اية حكومة اتحاد وطني لن يستقيلوا، ولن يفرطوا عقد الحكومة، «واذا كانت الاكثرية لا تصدق نصر الله فلتراجع اسرائيل التي تثق بصدق كلامه»، كما يقول القيادي في الحزب.
«حزب الله» يرى أن الاكثرية تلفظ انفاسها. نواب من تيار «المستقبل» يقولون انهم في افضل احوالهم. الحزب يشير الى امكان تقديم سوريا بعض ما يطلبه الاميركي في ملف العراق، وهو يرى أن مجرد الحصول على مطلب او اكثر قد يطيح المحكمة الدولية. هذا الكلام مدعاة سخرية لدى نواب «المستقبل». إلا أن دمشق تبدو مرتاحة للصورة العامة في لبنان، ويعرب مسؤولون سوريون أمام زوارهم اللبنانيين عن اعتقادهم بأن الاكثرية ستسقط خلال فترة قريبة.
وفي العاصمة السورية نفسها كانت ضمانات تقدم الى احدى ابرز الشخصيات الناصرية التي تنوي العودة الى بيروت. ابراهيم قليلات عقد في الشام نفسها التي طردته من لبنان لقاءات تركزت على الضمانات لعودته الى النشاط السياسي، ومن بعدها عقد في منزله في القاهرة سلسلة اجتماعات مع خمسة من ابرز قياديي حركته «المرابطون»، الذين عادوا الى بيروت ليُعدّوا لعودة السني الذي كان الأقوى في فترة مضت. وإذا سارت الامور كما يفترض ويجب، فسيكون «ابو شاكر» في بيروت منتصف الشهر المقبل، على أن يحدد مواقفه السياسية لأنصاره خلال فترة قصيرة. وبعدها يمكنه ان يغرف من بحر السنة ما لن يتمكن يكن من حفره في صخرهم.
«ماذا يبقى للأكثرية؟ المحكمة الدولية أقرت والنقاش في تفاصيلها، وحكومة الوحدة سيتم تأليفها، والتحريض على العنف في الشوارع او فرض المحكمة تحت البند السابع كلاهما يوازيان الحرب الاهلية، او العنف الحاصل في العراق» يقول احد قياديي حزب الله، الذي يسرّ حين يسمع عن عودة مؤسس «المرابطون»، فالحريرية بمفتيها الجنبلاطي «لم تختزل السنة العروبيين».