انطون الخوري حرب
مع تكثّف المساعي والضغوط لإجراء الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي لملء المقعد الشاغر باستشهاد النائب بيار الجميل، تبدو الخيارات المتداولة في حال تقلّص نتيجة استقرار الجو السياسي على الوضعية الانقسامية بشكل عام، والمتنية خصوصاً. ذلك أن استحقاق الانتخاب الفرعي مرشح ليكون ساحة منازلة بين السلطة والمعارضة. فبعدما ساد حتى الامس القريب جو إيجابي لتعاطي فرقاء الساحة المتنية مع هذا الاستحقاق، تبدو معايير التوافق في وضع تراجعي قد تحوّله الى معركة «كسر عظم». يتخذ نصفها شكلاً قانونياً ودستورياً، بدءاً بصدور مرسوم جمهوري يفتح الباب أمام السير باجراءات العملية الانتخابية، والنصف الآخر يتخذ شكل المواجهة التنافسية بين المتبارين المحتملين للفوز بالمقعد النيابي الشاغر.
وبالعودة الى بدء تداعيات جريمة اغتيال الوزير الجميل، فقد ترجم الانطباع الأولي لقيادة التيار الوطني الحر وجمهوره تأثراً بالغاً على رغم ان سجالاً سياسياً حاداً وقع بين الوزير الشهيد والتيار على خلفية نتائج انتخابات جبل لبنان عام 2005. لكن هول جريمة الاغتيال والموقف «التاريخي» للرئيس امين الجميل، بحسب توصيف العماد ميشال عون، ولّدا ميلاً أدبياً لدى العونيين الى عدم مواجهة الجميل انتخابياً اذا ترشح ليخلف نجله في المقعد المتني. ولم تغير ردود فعل الكتائبيين وغيرهم من اعتداءات واستفزازات طالت مكاتب التيار وناشطيه، ولا رفض عائلة الشهيد زيارة عون لمنزلها للقيام بواجب التعزية، من هذا الميل. واكتفى العماد عون باعتبار أن العائلة واقعة تحت تأثير الصدمة، وبالتالي فإن سلبيتها تجاهه متوقعة ومبررة، وأن زيارة التعزية ستحصل بعد أن تهدأ الأمور.
لكن استمرار الموقف السلبي لآل الجميل، اضافة الى استقبالهم الوزيرين السابقين سليمان فرنجية وطلال أرسلان والرئيس عمر كرامي ووفداً من «حزب الله» والحزب السوري القومي الاجتماعي، رسم أمام العونيين علامات استفهام غير منطقية لهذه التصرفات. وتحول هذا الاستغراب الى استهجان بعدما أتى من يقول للجنرال إن تعزيته مرحب بها انما في البيت المركزي لحزب الكتائب في الصيفي، الأمر الذي دفع العونيين الى صرف النظر عن الموضوع.
وفي المقابل جاء من يقول إن جريمة الاغتيال ضربت تفوق عون الشعبي على اخصامه في الساحة المتنية، وبالتالي فإن الانتخابات الفرعية مناسبة لإسقاط تياره في صناديق الاقتراع والانتهاء من مقولة تمثيله الاكثري للمسيحيين، وأن على الجميل خوض المعركة من دون الحاجة الى التفاهم مع عون. فاذا لم يخض الأخير المعركة يكون قد اعترف بخسارته الشعبية، واذا خاضها فستكون هزيمته مؤكدة!
ازاء هذه المعطيات، لم تعد الأدبيات الاجتماعية حاجزاً امام حرية تصرف العونيين. فهم، كما يقولون، «فخورون بسلوكياتنا الديموقراطية التي شكلت أرضية نضالنا لنحو عقدين من الزمن، والرأي العام المسيحي ثمّن موقفنا من جريمة الاغتيال، وضميرنا مرتاح ووضعيتنا الشعبية على قوتها والناس باتوا يلقون بمسؤولية هذه المشكلة على الرئيس الجميل وليس على العماد عون الذي واجه الموضوع بنبل وصبر وتجرد، كما انه مستمر في احترامه لآل الجميل. لكنْ أصبحت للمعركة السياسية والانتخابية شروط أخرى».
وتقول مصادر عونية إن التيار «لن يعمل على ما يفاقم التشنج بين قائده والمفجوعة، لكن هذا التعالي لن يلزم التيار الموقف الحيادي في المعركة الفرعية. بل إنه قد يذهب الى اكثر من ترك الحرية للناخبين، اي الى دعم مرشح مستقل في وجه الرئيس الجميل. ويخطئ من يعتقد ان قاعدة التيار محكومة بالجوّ العاطفي الذي خلفه اغتيال بيار الجميل. ذلك ان حوافز المواجهة لديهم حلت مكان حوافز المبايعة الادبية. وهم واثقون بفشل الرهانات الواهية لفريق البريستول على تراجع شعبية التيار والجنرال بسبب علاقته مع حزب الله وموقفه من العدوان الاسرائيلي الأخير، وعلى حال الإرباك التي تسببت بها جريمة اغتيال الجميل في الوسط المسيحي. فهم اعتادوا تخطي الصعوبات».
لكن هذه المصادر تشدد على أن «قبول التحدي من جانب العونيين لا يقطع الطريق على احتمال التفاهم مع الرئيس الجميل، وإن كانت شروط هذا التفاهم باتت صعبة، أدناها ان يعتذر الرئيس الجميل لمناصري التيار عن ردود الفعل التي طالتهم اثر وقوع الجريمة».