باريس ــ بسّام الطيارة
تصل ميشال إليو ماري، وزيرة الدفاع الفرنسية، إلى بيروت لتمضية عيد رأس السنة مع الجنود الفرنسيين العاملين في اليونيفيل في جنوب لبنان. خطوة تحمل الكثير من الدعم المعنويّ للجنود، لكنّ آثارها تطال أيضاً الانتخابات الرئاسية الفرنسية

اختارت وزيرة الدفاع الفرنسية ميشال إليو ماري ليلة رأس السنة للقيام بزيارتها للجنود الفرنسيين المنتشرين في الخارج. واختارت لبنان كمكان لهذه الزيارة التي تقوم بها تاركة وراءها في فرنسا، كما قال أحد المراقبين، «قنبلة حيرة وتوتر لدى الوزير ساركوزي وأصدقائه» يمكن أن تنكّد عليه مزاجه وحفلات الأعياد. فقد صرحت، قبل أن تتوجه إلى لبنان، أنها لن تطلب ترشيح الحزب الحاكم لانتخابات الرئاسة، ما يفتح الطريق لترشيح ساركوزي بالتزكية. إلا أنها استدركت بإمكان الترشح من خارج إطار الحزب، وهذا ما يعقّد حسابات الوزير ويفتح الأبواب أمام رياح الشك بإمكان الوصول إلى الدورة الثانية إذا نافسه مرشح يميني ليبرالي آخر، وهذا هو «كابوسه المرعب».
وتشكل مناسبة السفر إلى لبنان لزيارة «جنود فرنسا» رافعة إعلامية شديدة للوزيرة التي لم تعد بحاجة لإثبات «قدراتها على معالجة الملفات الدولية» كما يقول أحد المقربين منها، رامياً حجراً في بركة ساركوزي الذي كلما انتقل إلى الخارج تسبب بأزمة للدبلوماسية الفرنسية. ويرى بعض المراقبين أن إليو ماري، باختيارها زيارة لبنان على وجه التحديد، رغم أن لفرنسا ما يقارب الـ٣٦ ألف جندي موزعين في شتى أنحاء المعمورة، إنّما توجّه رسالة إلى الرئيس الفرنسي جاك شيراك «الذي لا يستطيع القيام بهذه الزيارة» لأسباب عديده ووجيهة. ويفسر أحد المراقبين هذا بأن «مام» وهو الاسم الذي تُنادى به بين المحازبين (ويجب لفظه مثل مدام على الطريقة الباريسية بإدغام الدال مع شدّ الألف) أدركت متأخرة بأن شيراك دفع بها لمواجهة ساركوزي لأسباب شخصية دون أن يكلف نفسه عناء دفع بعض الشيراكيين لمساندتها، وأنه تركها وحيدة «تواجه آلة الحزب وزعيمها» دون أن ينبس بكلمة دعم لها.
ويقول العارفون بمسيرتها الشخصية (دكتوراه في الحقوق وأستاذة جامعية) إنها في حال اقتناعها بضرورة الترشح، فمن الصعب فك عزيمتها، وحتى وإن كانت لا تملك قدرات الحزب المالية واللوجيستية فهي قد أسست حركة مؤيدة لها سمّتها «السنديانة». ويهمس البعض أنها اختارت هذا الاسم للدلالة على صلابة مراسها وعنادها. ويشير هؤلاء إلى أنها تسلّمت عدة حقائب وزارية، كان آخرها وزارة الدفاع منذ حوالى ٤ سنوات، أي أنها على اتصال بكبرى شركات صناعة السلاح «التي تعتبر من أكبر ممولي الحملات الانتخابية». ويقول خبير في شؤون تمويل الانتخابات الفرنسية إن سيرج داسو (مصانع الميراج والصواريخ) وأرنو لاغاردير (دبابات وأنظمة طيران) يعدّان من أصدقاء نيكولا ساركوزي الحميمين والمعلنين، إلا أن هذا لا يمنعهما «من باب الحيطة» من تمويل الحزب الاشتراكي ضمن أطر القانون، ومن الممكن جداً أن يشاركا أيضاً بتمويل «المرشحة وزيرة الدفاع» من جانب «زيادة الحيطة». فالجميع يدرك أنه حتى وإن لم تتجاوز إليو ماري المرحلة الأولى، فإنّ ساركوزي، في حال نجاحه، لا يستطيع إلا أخذ موقعها بعين الاعتبار، كما حصل معه عام ١٩٩٥حين دعم بالادور ضد شيراك. أضف إلى ذلك أنها كانت زعيمة للحزب الشيراكي لمدة سنتين ولها علاقاتها الداخلية بالحزب.
من هنا، ينظر ساركوزي بريبة كبيرة إلى زيارة وزيرة الدفاع إلى لبنان، لأنها سوف تكون خلال الأعياد «محطة أنظار إعلامية» لأهل الجنود، وبإمكانها أن تحصد الكثير من العطف «أي أصوات تذهب من جعبته»، وخصوصاً أنه كما أسرّ أحد المقرّبين له «كان يودّ زيارة لبنان، هذا البلد الذي يحبه» خلال الأعياد. ولكن الظروف لا تسمح له، فمعظم المرشحين زاروا لبنان أو يستعدون للمجيء. ويرى المراقبون أن إليو ماري يمكن أن تشكل عامل ضغط قوياً على ماكينة ساركوزي الإعلامية، ذلك أنها استطاعت خلال اللقاءات الانتخابية الثلاثة التي جمعتها مع ساركوزي، إيصال الإشارة إلى ابتعاد طروحاته كثيراً، مثل ما هو الأمر مع شيراك، عن الطروحات الديغولية. والديغولية في فرنسا ما زال لها مؤيدون، وخصوصاً في حزب شيراك وساركوزي، وفي ما يتعلق بدور فرنسا في الخارج.
من المؤكد أن ميشال إليو ماري لا تستطيع قطف السباق، إلا أنه من المؤكد أنها تستطيع منع ساركوزي من الربح. وفي حال إعلانها من لبنان، أو فور عودتها، ترشّحها فهي لا بد أن تخطف منه بريق إعلان ترشيحه، وتزيد من آمال وصول مرشح اليمين المتطرف إلى الدورة الثانية. فهل يكون شيراك بجفائه تجاه وزيرة دفاعه قد عمل بشكل غير مباشر على إسقاط غريمه ساركوزي؟ سؤال لا يُعجب من عرف شيراك «هذا الحيوان السياسي».