شهر مر على اعتصام ساحة الشهداء. طلاب، عمال وعاطلون عن العمل، يصلون ليلهم بنهارهم تحت شعار «إسقاط الحكومة». شهر مر على امتزاج قواعد الأصفر والأخضر والليموني. لكن بعد مرور شهر، ما زالت الحكومة «معتصمة» في السرايا، وما زالت المعارضة هي «الأقلية» والموالاة هي «الأكثرية». وما زال نهار المعتصمين يبدأ «بالفيقة» عند الساعة الحادية عشرة صباحاً بالترويقة المقدمة من التيارات المنظمة، وينتهي على صوت الموسيقى والهتافات. وطبعاً لا يكتمل النهار من دون لعب الورق والنرجيلة و«التلطيش» على الصبايا وتبادل الفولارات والأحاديث الثقافية والدينية والاجتماعية. شهر مر على الخيم المنصوبة في الساحتين، تحدى خلاله الشباب الجوّ المتقلب، كما المرض والتعب.
وبعد شهر على الاعتصام ... هناك من خرج ولم يعد. هناك من «زهق»، وهناك أيضاً من يرى أن هذا الاعتصام هو أرقى وأقوى أنواع التغيير.
إيلي عون، ابن التيّار الوطني الحر، لا يزال متسمراً في ساحة الشهداء منذ اليوم الأول للاعتصام، يحاول قدر المستطاع المساعدة على تنظيم الخيم والشباب المعتصمين. بعد شهر، لا يزال إيلي يستقبل الوسائل الإعلامية المرئية والمكتوبة. بعد شهر أصبحت الكلمات تخرج من فمه دون سابق إصرار وتصميم. بعد شهر لا يزال إيلي مقتنعاً بأن الطريقة الوحيدة للإصلاح في البلد تكون بإسقاط الحكومة. شهر مر على الاعتصام طوّر النظرة إلى الآخر، كائناً من يكون، من خلال التفاعل الاجتماعي أولاً والسياسي ثانياً، وأصبح ابن الضاحية «يحب على الصعيد الشخصي ابن الرابية».
أما جهاد فحاله مختلفة، «زهق» لأنه تحمس لخطاب المعارضة ذي السقف العالي، وظنّ، كما الكثير من الشباب المعتصم، أن التغيير آت «يوم التظاهرة». جاد يريد التغيير اليوم، فهو ليس مهيأً للنفس الثوري الطويل، ولأن جمهور الساحة كان يعتقد أنه بعد التظاهرتين الكبيرتين اللتين قامت بهما المعارضة، هناك من سيخاف ويقدم استقالته على الفور. يقول حبيب، وهو أحد المعتصمين الدائمين، إن بعض جمهور الساحة هو نفسه جمهور «الحاحا والدبكة والنرجيلة»، لذلك نفسه قصير.
من جهة أخرى، ترى آمال، وهي أيضاً من المعتصمات الدائمات، أن الشباب المعتصم دخل في روتين وهذا طبيعي ومفيد لأنه سيخلق حافزاً ويولّد حركة لدى الشباب حتى يجددوا نشاطهم. وتؤكد آمال أنّ الشباب المعتصم يأمل أن يكون «عدم التصعيد اليوم في إطار هدنة الأعياد»، لذلك يعيش الشباب على أمل أن يأتي التصعيد بعد العيد.
ر. ي.