strong>حسن عليق
زحمة السير في شوارع العاصمة وعلى المداخل لا يحتملها المواطنون. في الضاحية استعانت البلديات بعناصر من حزب الله، وازداد بعد ذلك عديد عناصر قوى الأمن الداخلي. الأشغال على مداخل بيروت تزيد الأمور سوءاً. حل الأزمة المزمنة يحتاج إلى خطة شاملة، فهل تكون الاستعانة بمتطوعين لزيادة العدد جزءاً من الحل. أم إن هذا الأمر تثبيت لمبدأ الأمن الذاتي؟

لا يحتاج الطريق من الحمرا إلى الضاحية أكثر من 20 دقيقة ليلاً. أما نهاراً، وخاصة أوقات الذروة، فلن تصل مقصدك قبل ساعة من الوقت، لا يتوقف خلالها سائق سيارة الأجرة عن كيل الشتائم لـ«الدولة»: «لو نصّ العسكر يلي بيحمي المسؤولين بيوقف بالشارع، كانت نحلــِّت المشكلة». يرفض السائق النقاش، فلا آثار العدوان، ولا الأشغال التي من المفترض أن تحسِّن مداخل العاصمة، لها علاقة بالزحمة حسب رأيه. «الدولة مسؤولة، ونقطة على السطر».
الزحمة الأشد هي على طريق سبيرس أثناء الخروج من الحمرا، فهي تمتد حتى ما بعد مبنى وزارة الداخلية. يتحسن الوضع قليلاً بعد العبور أمام أحد المطاعم الذي يتخذ من الشارع موقفاً لزبائنه. تنفرج مؤقتاً بعد إشارة سبيرس الضوئية. من جسر فؤاد شهاب، يبدو مشهد الصاعدين من وسط بيروت باتجاه نفق سليم سلام مأساوياً، كأنه «يوم الحشر». خطوط من السيارات تسير ببطء شديد نحو النفق ذي الهواء الملوث. ليست الزحمة بالشدة ذاتها في القسم الثاني من الطريق وصولاً إلى الضاحية.
بعد المشرفية، دخولاً إلى أوتوستراد هادي نصر الله حتى حارة حريك وحي الأبيض، يقف عند كل تقاطع عدد من عناصر «الانضباط»، كما باتوا يُعرَفون. إنهم عناصر من حزب الله، ظهروا للمرة الأولى هذا العام لتنظيم السير يوم الاحتفال بـ«النصر الإلهي». في الأعوام السابقة، خلال شهر رمضان، كان عناصر من الحزب يقومون بتنظيم السير في الشوارع الداخلية للضاحية الجنوبية. هذه السنة، ما زالوا مستمرين بعملهم بعد العيد، على معظم التقاطعات الفرعية جنوبي خط الغبيري ـــ المشرفية، بدون وجود قوى الأمن أو الشرطة البلدية ومع وجودهم. «إنهم يساعدوننا كثيراً، عددنا لا يكفي» يقول أحد دراجي قوى الأمن الداخلي. لم يكونوا موجودين أثناء حديثنا معه، نسأله عن السبب فيجيب: «بس تعجق بيوصلواأحد سائقي الفانات على خط الحمرا ـــ الضاحية، يقول إنه يتجاوب مع عناصر الانضباط كونهم «موجودين لخدمتنا» على حد تعبيره. إنهم يسهلون السير، وموجودون بالكثافة المطلوبة. «لولاهم ما قدرنا شتغلنا متل الخلق بشهر رمضان، ولا هلق، شوف، شوارع الضاحية، لأول مرة، أحسن من شوارع بيروت».
عنصر آخر من قوى الأمن يشكو حاله: «أنا متعاقد، معاشي 450 ألف، هني بياخدو أكتر مني ـــ يقصد عناصر الانضباط ـــ 100 دولار أسبوعياً، وبعد حادثة الرمل العالي، أشعر بأن السائقين يتجاوبون معهم أكثر مني». يفيدنا أن قوى الامن قامت بزيادة عديدها في المنطقة بعد العيد، وأنها قامت بإضافة نقطتين جديدتين على أوتوستراد هادي نصر الله، مما أدى إلى «انسحاب» عناصر الانضباط إلى التقاطعات الداخلية.
من جهته، ذكر مصدر مسؤول في حزب الله لـ«الأخبار» أن عناصر الانضباط هم من «عناصر التعبئة» في الحزب، وأنهم متطوعون، كونهم أبناء المنطقة ويعملون بناءً على طلب البلديات، التي لا يكفي عديد شرطتها مع قوى الامن الداخلي لتغطية كل تقاطعات المنطقة. ينفي المصدر ما ذ ُكِرَ عن تقاضيهم رواتب ما أو بدلات مالية، ويؤكد أنهم متطوعون وأنهم سيكونون عند كل تقاطع بسبب الزحمة حيث لا يكون عناصر من الأمن الداخلي. ينفي المصدر رداً على سؤال لـ «الأخبار» أن يشجع موضوع «الانضباط» فكرة الأمن الذاتي في بعض المناطق والتي تعيد ذاكرة المواطن اللبناني إلى زمن الميليشيات.
رئيس اتحاد بلديات الضاحية، ورئيس بلدية الغبيري، محمد سعيد الخنسا، أكّـد لـ«الأخبار» ما ذكره مصدر حزب الله حول المتطوعين وسبب الاستعانة بهم. وقد طالب الخنسا بخطة سير للضاحية والعاصمة لتخفيف الأزمة المزمنة مشددا على ضرورة تأهيل شرطي السير قبل إنزاله إلى الشارع.
من جهته، علق مصدر رفيع في قوى الأمن الداخلي على «ظاهرة» الانضباط في الضاحية بإبداء عدم الرضى عن الموضوع، الذي يوحي، حسب رأيه، بوجود دولة ضمن الدولة.
مداخل بيروت من الجهة الشمالية ليست أفضل حالاً من شوارع العاصمة الداخلية، لكن المواطنين يأملون انتهاء الأشغال في مناطق الدورة والمتحف والعدلية حتى تنفرج الأمور. المطالبة شبه عامة بعدد أكبر من عناصر قوى الأمن للتخفيف من معاناة المواطنين.
طريق العودة من الضاحية إلى الحمرا لم تكن أسهل، ساعة كاملة ليلاً هذه المرة. نصفها ينقضي على مئات الأمتار من محطة الضناوي إلى تقاطع عائشة بكار، حيث لا زحمة خانقة عادة. عندما وصلنا إلى التقاطع المذكور، لم نجد أثراً لشرطي السير!!