ابراهيم الأمين
ترقية السفير السعودي في لبنان الدكتور عبد العزيز الخوجة الى مرتبة سفير فوق العادة تعني أنه بات في موقع مساعد لوزير الخارجية. وهو تطور يتصل بالرجل نفسه، ولكنه يتصل أيضاً بمهمته في لبنان. وهو الذي يضطلع بدور لم يحظ به سابقاً أي سفير سعودي في لبنان، علماً بأن قلة من سفراء المملكة في الخارج وربما في الولايات المتحدة الاميركية من تمتع بهذه الصلاحيات، التي تعكس تفويضاً خاصاً ومباشراً من الملك السعودي عبد الله وولي عهده سلطان ووزير الخارجية سعود الفيصل. وهو تفويض بدا واضحاً في حركة السفير الداخلية وتمدد متابعاته لجوانب إقليمية من الملف اللبناني دون الدخول في تفاصيلها مباشرة، حتى بات السفير الخوجة يقوم بأدوار لطالما كانت متروكة لأصدقاء المملكة سابقاً وتحديداً للرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وإذا كان البعض، وربما السفير نفسه، لا يرغب في القول إن حركته ربما تملأ فراغاً بسبب قصور غيره من المعنيين بالأمر نفسه، فإن الرياض تدرك اكثر من أي وقت سابق أن ترك الساحة للآخرين، ولو كانوا من الاصدقاء او الحلفاء، قد يسبّب مشكلات لها في لبنان، وخصوصاً أن الانقسام السياسي على اشده. حتى جاء الاجتماع الاخير بين الخوجة والامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ليكون الخرق الوحيد في جدار الصمت المطبق على المحاور السياسية المتنازعة.
قال خبثاء إن نصر الله سبق له ان رفض خمسة طلبات للاجتماع به من قبل النائب سعد الحريري، وانه عندما رحب بلقاء الخوجة، كان يعطي الاشارة الى انه لا يريد الاجتماع بالحريري لأن الاخير لا يملك قراره بيده، وانه يلتقي من بيــــــــده الأمر ويحسم معه الملف برمّته. علماً بأن لحزب الله قراءتــــــــه المختلفــــــــة التي تشير أولاً الى ان موقفــــــــه من السلوك السعودي خلال فترة الحرب لا يؤدّي في اي حال من الاحوال الى قطيعة من النوع الذي يهدد مصالح لبنان، ثم انه لا يعلن رفضه الاجتماع بالحريري، بل هو لا يــــــــرى موجباً لهذا الاجتماع الآن. ويبرر مرجع قيادي في الحزب الامر بالاشارة الى ان الاجتماع إن جاء شكلياً فلن يؤدي الى شيء، «بل سوف يُستغل على صعد عدة، منها القول للجمهور إنه لا مشكلة في البلاد واننا نتحاور ومع الوقت نجد الحلول لمشاكلنا، او الايحاء لحلفاء المقاومة بأنها دخلت في مناورات وهي مستعدة للتخلي عنهم والذهاب نحو اتفاقات ثنائية، اضافة الى ما هو أهم ويتصل بالسعي الى منع الاتفاق على حل سياسي ضروري ولا بد منه لتجاوز الازمة السياسية».
وبحسب المرجع فإن الردود على طلب الاجتمــــــــاع بين نصر الله والحريري كانت على الدوام متصلة بالهدف من هذا الاجتماع. ويكشف ان السفير السعودي اثار الامر في الاجتماع مع نصر الله، وسألــــــــه عن امكان ترتيب هذا الاجتماع لما لــــــــه من انعكاسات ايجابيــــــــة على المناخ العام. ورد عليه نصر الله بصراحة: «لا، نحن لا نرى موجباً لهذا الاجتماع، وهذا ليس رأيي الشخصي، بل قرار قيادة الحزب عندنا، لقد تحدث الحريري عن حفلات تكاذب، وإذا كان اللقاء لأجل الاستمرار بالأمر فلا داعي له، وإذا كان لا بد من عقد الاجتماع فإن مثل هذا اللقاء يحتاج الى اتفـــــــــاق مســــــــبق يشمــــــــل كل الامــــــــور العالقة، وان يكون الاجتماع عملية تتويج لهذا الاتفاق لا مجرد صورة».
ويبدو ان السفير السعودي لم يكن في ضيافة «حزب الله» لأجل ترتيب لقاء مع الحريري، بل هو جاء ليناقش اموراً كثيرة في مقدمها تصفية العلاقات الثنائية بعد ما حصل خلال الحرب وبعدها. وتوقف بالتفصيل عند ملف الحكومة، ووجّه الخوجة اسئلة محددة الى نصر الله تتعلق اولاً برئيس الحكومة وما إذا كان مطلب التغيير الحكومي يشمله بصورة مباشرة. ثم ماذا عن المشاركة السياسية الاخرى في الحكومة، وهل المقصود البحث عن سبل لمشاركة «التيار الوطني الحر» فقط ام مشاركة قوى اخرى. وهل الفكرة تستهدف فعلاً منع قيام المحكمة الدولية وبالتالي وقف اعمال التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ومع ان الاجوبة التي سمعها السفير السعودي كانت واضحة في كل شي، فإن المرجع في حزب الله يؤكد ان الاخير ابدى تفهماً لافتاً، وقال إنه سيبحث الأمر سريعاً مع الملك السعودي، وهو وعد بالقيام بجهد خاص لأجل منع الانفجار، والقيام بمبادرة سريعة باسم قيادة المملكة مع كل المعنيين.
وأشار السفير السعــــــــودي الى ان بلاده معنية بالتحاور مع الجميع، متوقفاً عند البحث في تطوير العلاقة مع العماد ميشال عون ودعوته الى زيارة السعودية.
ويبدو ان السفير السعودي يعيش مناخ تسويات عرضها الحريري وفريق الاكثرية لتسوية الوضع. وكشف المرجع القيادي في حزب الله عن اقتراحات ومشاريع تسويات ناقصة بعث بها الحريري وفريق الاكثرية، أحدها يقوم على فكرة توسيع الحكومة بضم التيار الوطني الحر بعد إبعاد آخرين من حصة الرئيس اميل لحود دون منح الفريق المعارض الثلث المعطل. وثان يقوم على إقرار المحكمة الدولية بكل شروطها اولاً، وأن ينتظر اقرار المحكمة تماماً من جانب الأمم المتحدة وان الامر لن يستغرق اكثر من شهرين الى ثلاثة شهور، وبعدها يعد الحريري بأن تؤلَّف حكومة وحدة وطنية. وثالث يقول بأن يصار الى انتخابات رئاسية مبكرة تفترض ان يدعو الرئيس نبيه بري الى جلسة لانتخاب رئيس جديد وأن يبقى الرئيس لحود في منصبه حتى انتهاء ولايته، وأن يصار بعد هذه الانتخابات الى تأليف حكومة جديدة شرط ان لا تضم أياً من القوى غير الموجودة في المجلس النيابي.
ولكن الرفض الحازم لهذه العروض ينطلق اصلاً من ان فريق الاكثرية يعمل ضمن مناورة لأجل كسب الوقت، وهم يعرفون ان توسيع الحكومة وفق ما يفترضون لن يؤدي الى اي نتيجة، كما ان ربط الحكومة بالمحكمة الدولية لا يفيد بأي شيء، لأنه لا علاقة للموضوع بالامر. أما الفكرة الثالثة فإنها تستهدف عزلاً تاماً لرئيس الجمهورية إلا من التوقيع، وانتخاب رئيس من فريق 14 آذار ومنحه التغطية الشرعية من جانب العالم، والتصرف بالحكومة دون اي تعديل. وكل هذه الامور رفضت.