جورج شاهين
لا يختلف اثنان في توصيف ضعف المشاركة والحضور المسيحيَّين على الساحة السياسية وفي مواقع الحكم. أما التباين، اذا وجد، فهو على مستوى تحديد الأسباب التي أدت بالوضع المسيحي إلى ما هو عليه اليوم، سواء برضى من يعنيهم الأمر، أو بعجز معترف به أو غير معترف،
وفي محاولة للتدليل على بعض الإشارات التي تعطي صورة واضحة عن المسافة التي باتت قائمة بين القيادات والأحزاب والتيارات والكتل النيابية المسيحية، وسوء العلاقات المتبادلة في ما بينها، وانعدام أي تنسيق على أي مستوى كان، لمعالجة شأن وطني عام أو مسيحي خاص، من جهة، أو على مستوى العلاقات بين المسيحيين وشركائهم في الوطن من جهة أخرى، تظهر حصيلة الجولة التي قام بها وفد من الرابطات المسيحية على عدد من المرجعيات الرسمية ورؤساء الأحزاب والتيارات والقيادات الروحية من كل طوائف لبنان.
أحد أعضاء الوفد تحدث إلى «الأخبار» عن بعض الوقائع، فقال: «في ضوء ما هو قائم من أجواء تشنج في البلاد، وعلى خلفية الاحتقان في الشارع اللبناني، وما آل إليه الواقع المسيحي، اتخذنا قراراً بالقيام بجولة على القيادات السياسية والروحية المسيحية واللبنانية، سعياً إلى ترطيب الأجواء والتأكيد على الثوابت، فشملت جولتنا رئيس الجمهورية، الرئيس الأعلى لحزب الكتائب، رئيس تكتل الإصلاح والتغيير، رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية، رئيس تيار المردة، الوزيرة نائلة معوض، وبطاركة الموارنة والأرمن الكاثوليك والأرثوذوكس ومتروبوليت بيروت للروم الأرثوذوكس ورؤساء الأقليات، قبل التوسع في اتجاه القيادات الإسلامية لتشمل مفتي الجمهورية، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، رئيس الحكومة ووزير الداخلية بالوكالة، وقبل الحرب الأمين العام لـ«حزب الله». فما الحصيلة؟
على المستوى المسيحي، ومن دون الدخول في كثير من التفاصيل، الوضع غير جيد ومقلق، فأزمة الثقة بين القادة المسيحيين بلغت مداها الأقصى، وفقدان الحوار والتواصل سمة المرحلة بين الجميع تقريباً، حتى المتحالفون منهم ينصبون الفخاخ والكمائن لبعضهم، اذا سمحت لهم الظروف بذلك، في السر وفي العلن. ولذلك نادراً ما يلتقون أو يتشاورون في ملف، ولو تجاوز في حجمه وأهميته كل اشكال التحالفات السياسية المرحلية بين موالاة ومعارضة. يتباهون بتحالفاتهم مع «اعداء الأمس»، ويتجاوزون كل ما كان قائماً من حواجز اصطناعية أو حقيقية، ولا يتفاهمون مع بعضهم، ولو كانوا من «رفاق الأمس».
أضاف: «تمنينا على البطريرك صفير تنظيم «عيدية» للبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً، فيجمع في بكركي، وحول جدول اعمال يضم القواسم المشتركة «البديهية» والتي لا يختلف حولها اثنان، القادة المسيحيين الأساسيين. فبدا لنا معتذراً بلباقة متناهية، متردداً للغاية ومتخوفاً سلفاً من النتائج قياساً على تجارب الماضي، من ايام عون وجعجع، وقبلها بين جعجع وحبيقة، وصولاً الى ما بين فرنجية ومعوض، وكأنه لا مجال للبحث في هذا «المشروع المستحيل» بكل ابعاده».
وعن أوضاع المسيحيين في الدولة، يقول صاحب الجولة: سألنا الجميع تقريباً، أين نحن في الدولة؟ في المؤسسات والادارات، وهل تدركون اننا بتنا غائبين عن البعض منها نهائياً؟
فأجاب احد الذين زرناهم: «نسعى جاهدين الى استعادة ما فقدناه، لكن المشكلة ان الادارة السنية ــ الشيعية للبلد قطعت الطريق على الكثير من المواقع، فباتت بعيدة المنال، وبات الأمر لدى المتحكمين اليوم باللعبة الادارية رهن المعادلة التي تقول: ما لنا لنا، وما لكم لكم ولنا!». فيما اكتفى آخرون بالجواب المكرر: «المشكلة في غياب رئاسة الجمهورية من المعادلة الرئاسية التقريرية». لكن الوزراء المسيحيين مناصفة في مجلس الوزراء حيث القرار، وزائد واحد بعد استقالة الوزير السبع، وهم مهابون ولهم تحالفاتهم من ضمن الأكثرية الحاكمة!؟ فقال احدهم: «العدد في مجلس الوزراء لا يحتسب على أصابع اليد، ولا بواسطة الآلة الحاسبة، والأرقام باتت وجهة نظر!».
وعن رئاسة الجمهورية يقول صاحب الهواجس المسيحية إن الوفد سأل محاوريه: لماذا لا نحسم مرشحنا لرئاسة الجمهورية عند طرح الملف على مؤتمر الحوار؟
اجاب أحدهم: ولماذا عند اختيار الرئيس الماروني يتعطل منطق الرجل القوي أو الأكثر تمثيلاً، على عكس المنطق عينه الذي يحكم تسمية الرئيس الشيعي لمجلس النواب أو الرئيس السني لرئاسة الحكومة؟ ولماذا البحث جار لدى زعيم الأكثرية عن الماروني الضعيف، أو الأضعف حتى، ليمرره رئيسا؟ واذا سمحت لهم الظروف لا سمح الله! الا يأتون بالموظف؟!.

(غداً: تساؤلات على المستوى الوطني)