جوزف سماحة

I

تجدّد إطلاق التصريحات عن الأسلحة المهرّبة من سوريا إلى لبنان. نسب تيري رود لارسن إلى مصادر حكومية لبنانية أنها تقدّم إليه هذه المعلومات. نفى الرئيس فؤاد السنيورة ذلك من دون أن يعلّق على «مبادرة» لارسن. ويشكّل السلاح المهرّب مادة للمطالبة بنشر قوات «يونيفيل» على الحدود اللبنانية ــ السورية (وليد جنبلاط من واشنطن) ما يقود ناطقاً باسم الإدارة الأميركية إلى «عدم استبعاد هذه الخطوة».

II

يذكر كثيرون أن هذا الموضوع طُرح قبل أسابيع ثم سُحب من التداول. ولكن الذي حصل هو أن مصطلحاً جديداً هبط فوق رؤوس اللبنانيين قبيل منتصف الشهر الماضي: إدارة المجال الجوي. ففي 13 تشرين الأول نشرت الصحف تصريحاً لمتحدث باسم وزارة الدفاع الفرنسية جان فرنسوا بورو جاء فيه «أنه ينبغي، من أجل تعزيز عملية الاستقرار في لبنان، إحراز تقدّم بشأن قواعد متعلّقة بإدارة المجال الجوي اللبناني». أضاف «نحن مهتمّون جداً بالأمر، وهذه المسألة هي قيد الإعداد في مجلس الأمن وفي إطار أعمال دائرة عمليات حفظ السلام». وكان واضحاً أن «إدارة المجال الجوي»، أي تسليم السيادة الجوية إلى جهة غير لبنانية، هي الاقتراح المتداول لإقناع إسرائيل بوقف الخروق للأجواء اللبنانية بذريعة «مراقبة التهريب». هذه الفكرة تراجعت أيضاً من التداول الإعلامي إلى أن تزامنت الطلعات الجوية الكثيفة مع عودة الإشارات إلى التهريب لتوحيا أن الموضوع سيطرح مجدداً.

III
في 16 من الشهر الماضي وقّعت إسرائيل مع حلف شمال الأطلسي ممثلاً بالرجل الثاني فيه أليساندرو مينوتو ــ ريزوا اتفاقاً يُعرف باسم «برنامج التعاون الفردي». وهو يتضمن قاعدة للتعاون بين الطرفين يشمل 27 مجالاً بينها تبادل المعلومات الاستخبارية، والمعطيات عن أسلحة الدمار الشامل، والجهوزية المدنية للإنقاذ، وكيفية الرد على الإرهاب، وإدارة الأزمات، والمناورات العسكرية، و... إدارة المجال الجوي.
قد تكون الصدفة وحدها شاءت أن تفصل أيام فقط بين الاهتمام بإدارة مجالنا الجوي وتوقيع الاتفاق بين إسرائيل و«الناتو». إلا أنها «صدفة» لا يمكننا، مهما كانت سذاجتنا طاغية، ألا نتوقف عندها.

IV
في منتصف الشهر الماضي أكملت البحرية الألمانية «انتشارها» في المياه المقابلة للشاطئ اللبناني. حصل ذلك كما هو معروف في ظل لغط طال طبيعة هذه المهمة، ومدى صلتها بالقرار 1701، وتوزيع العمل بين السفن الألمانية والجيش اللبناني داخل المياه الإقليمية وخارجها. حسناً، نضع ذلك جانباً.
نضعه جانباً لكي نلاحظ أن إسرائيل وقّعت في اليوم التالي تماماً على اتفاق آخر مع «الناتو» انضمت بموجبه إلى «عملية المجهود الفعال». وهذه العملية التي أطلقها الرئيس الأميركي جورج بوش عام 2003 تعطي الحق للدول المنضمة إليها بتفتيش السفن في بحار الكون بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل و«الإرهابيين». وتقول المعطيات الرسمية أن بحرية «الناتو» راقبت حتى الآن 75 ألف سفينة وأنها فتّشت ما لا يقل عن 100 سفينة مشبوهة.
لهذه العملية بعد متوسطي قد يكون الأهمّ (ستحظى كوريا الشمالية بقدر جدي من الاهتمام) بفعل احتشاد بحرنا بناقلات النفط وأنابيب نقل الغاز من دول المغرب العربي إلى أوروبا. وفي وثيقة رسمية للحلف نقرأ «إن خبرة الناتو في هذه العملية وفّرت له تجربة لا تُقارن وهي مهمة جداً للجهود الدولية في مكافحة الإرهاب، وخاصة، ضد نشر وتهريب أسلحة الدمار الشامل».
يجب أن نضيف أن الدول الأطلسية المعنيّة مُلزمة بالتعاون الكامل لأن العملية أُطلقت في إطار تفعيل البند الخامس من ميثاق الحلف وهو التفعيل الذي حصل في سياق الحرب على نظام طالبان بعد تفجيرات 11 أيلول.
من الدول المشاركة في هذه العملية في البحر الأبيض المتوسط: اليونان، إيطاليا، إسبانيا، الدنمارك، النروج، و... ألمانيا.
انضمت إسرائيل إذاً إلى هذا المجهود. ويعطيها ذلك الحق في أن تتمثّل بضابط كبير في مقر القيادة الأطلسية البحرية الجنوبية في نابولي، أي بضابط يشارك في إدارة العمليات وفي الاطلاع على المعلومات كلها.
هل هذه صدفة ثانية؟ هل العلاقة معدومة بين دور البحرية الألمانية في المياه اللبنانية وخارجها ودور ألمانيا نفسها في «عملية المجهود الفعال» الأطلسية والتي باتت إسرائيل شريكة فيها؟ سؤال أخير: هل هناك قوات ألمانية قابلة للعمل خارج إطار حلف شمال الأطلسي؟

V
تجب الإشارة إلى أن العلاقة بين الناتو وإسرائيل تندرج في سياق «المبادرة المتوسطية للأطلسي» التي أُطلقت عام 1995 وتشارك فيها دول عربية هي موريتانيا، والمغرب، والجزائر، ومصر، والأردن. ولقد تحوّلت هذه المبادرة بعد قمة اسطنبول 2004 إلى «الحوار الأطلسي ــ المتوسطي» وضمّت إليها، ولو بدرجة أقل، دولاً في الخليج العربي. لكن يبقى أن إسرائيل انفردت بتوقيع الاتفاقين المشار إليهما وفي التوقيت المشار إليه. ولقد حصل ذلك في سياق زيارة الرجل الثاني في الحلف إلى إسرائيل حيث أطلق تصريحات وألقى خطباً مؤدّاها أن العلاقة النامية بين الطرفين ذات صلة «بالدور الذي يتصوّره الحلف لنفسه في الشرق الأوسط بعد 11 أيلول». طمأن مينوتو ــ ريزوا إسرائيل إلى أنها «غير معزولة في مواجهة إيران»، وتعمّد الإشارة إلى أن الدول المشاركة بقوة كبيرة في «يونيفيل» هي دول أطلسية: بلجيكا، فرنسا، إيطاليا، النروج، بولندا، إسبانيا، تركيا...

VI
نسمح لأنفسنا ببعض الغباء ونقول، تصويباً لأي نقاش، إننا لا نعرف الكثير عن الصلة بين توقيع إسرائيل على الاتفاقين المشار إليهما مع «الناتو» وبين «إدارة المجال الجوي اللبناني» و«العملية الألمانية في البحر». لا نعرف. ربما كانت الأمور منفصلة بعضها عن بعض.
إلا أن السؤال الواجب توجيهه إلى حكومة الرئيس فؤاد السنيورة هو هل قامت بكل ما عليها لتعرف أكثر ولتطمئن إلى أن إسرائيل ليست طرفاً مباشراً في الرقابة البحرية والجوية على لبنان.
هل فعلت الحكومة ذلك؟ نشك في الأمر. ومصدر الشك ما بات محسوماً لدينا من انعدام شبه كامل للحساسية حيال هذه الأمور.
حضرة رئيس مجلس الوزراء أَزِلْ هذا الشك. أقنعنا بأنك لا تعتقد أن كل ريح غربية تهبّ علينا هي، بالضرورة، ريح خير.