I
تجدّد إطلاق التصريحات عن الأسلحة المهرّبة من سوريا إلى لبنان. نسب تيري رود لارسن إلى مصادر حكومية لبنانية أنها تقدّم إليه هذه المعلومات. نفى الرئيس فؤاد السنيورة ذلك من دون أن يعلّق على «مبادرة» لارسن. ويشكّل السلاح المهرّب مادة للمطالبة بنشر قوات «يونيفيل» على الحدود اللبنانية ــ السورية (وليد جنبلاط من واشنطن) ما يقود ناطقاً باسم الإدارة الأميركية إلى «عدم استبعاد هذه الخطوة».
II
يذكر كثيرون أن هذا الموضوع طُرح قبل أسابيع ثم سُحب من التداول. ولكن الذي حصل هو أن مصطلحاً جديداً هبط فوق رؤوس اللبنانيين قبيل منتصف الشهر الماضي: إدارة المجال الجوي. ففي 13 تشرين الأول نشرت الصحف تصريحاً لمتحدث باسم وزارة الدفاع الفرنسية جان فرنسوا بورو جاء فيه «أنه ينبغي، من أجل تعزيز عملية الاستقرار في لبنان، إحراز تقدّم بشأن قواعد متعلّقة بإدارة المجال الجوي اللبناني». أضاف «نحن مهتمّون جداً بالأمر، وهذه المسألة هي قيد الإعداد في مجلس الأمن وفي إطار أعمال دائرة عمليات حفظ السلام». وكان واضحاً أن «إدارة المجال الجوي»، أي تسليم السيادة الجوية إلى جهة غير لبنانية، هي الاقتراح المتداول لإقناع إسرائيل بوقف الخروق للأجواء اللبنانية بذريعة «مراقبة التهريب». هذه الفكرة تراجعت أيضاً من التداول الإعلامي إلى أن تزامنت الطلعات الجوية الكثيفة مع عودة الإشارات إلى التهريب لتوحيا أن الموضوع سيطرح مجدداً.
III
قد تكون الصدفة وحدها شاءت أن تفصل أيام فقط بين الاهتمام بإدارة مجالنا الجوي وتوقيع الاتفاق بين إسرائيل و«الناتو». إلا أنها «صدفة» لا يمكننا، مهما كانت سذاجتنا طاغية، ألا نتوقف عندها.
IV
نضعه جانباً لكي نلاحظ أن إسرائيل وقّعت في اليوم التالي تماماً على اتفاق آخر مع «الناتو» انضمت بموجبه إلى «عملية المجهود الفعال». وهذه العملية التي أطلقها الرئيس الأميركي جورج بوش عام 2003 تعطي الحق للدول المنضمة إليها بتفتيش السفن في بحار الكون بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل و«الإرهابيين». وتقول المعطيات الرسمية أن بحرية «الناتو» راقبت حتى الآن 75 ألف سفينة وأنها فتّشت ما لا يقل عن 100 سفينة مشبوهة.
لهذه العملية بعد متوسطي قد يكون الأهمّ (ستحظى كوريا الشمالية بقدر جدي من الاهتمام) بفعل احتشاد بحرنا بناقلات النفط وأنابيب نقل الغاز من دول المغرب العربي إلى أوروبا. وفي وثيقة رسمية للحلف نقرأ «إن خبرة الناتو في هذه العملية وفّرت له تجربة لا تُقارن وهي مهمة جداً للجهود الدولية في مكافحة الإرهاب، وخاصة، ضد نشر وتهريب أسلحة الدمار الشامل».
يجب أن نضيف أن الدول الأطلسية المعنيّة مُلزمة بالتعاون الكامل لأن العملية أُطلقت في إطار تفعيل البند الخامس من ميثاق الحلف وهو التفعيل الذي حصل في سياق الحرب على نظام طالبان بعد تفجيرات 11 أيلول.
من الدول المشاركة في هذه العملية في البحر الأبيض المتوسط: اليونان، إيطاليا، إسبانيا، الدنمارك، النروج، و... ألمانيا.
انضمت إسرائيل إذاً إلى هذا المجهود. ويعطيها ذلك الحق في أن تتمثّل بضابط كبير في مقر القيادة الأطلسية البحرية الجنوبية في نابولي، أي بضابط يشارك في إدارة العمليات وفي الاطلاع على المعلومات كلها.
هل هذه صدفة ثانية؟ هل العلاقة معدومة بين دور البحرية الألمانية في المياه اللبنانية وخارجها ودور ألمانيا نفسها في «عملية المجهود الفعال» الأطلسية والتي باتت إسرائيل شريكة فيها؟ سؤال أخير: هل هناك قوات ألمانية قابلة للعمل خارج إطار حلف شمال الأطلسي؟
V
VI
إلا أن السؤال الواجب توجيهه إلى حكومة الرئيس فؤاد السنيورة هو هل قامت بكل ما عليها لتعرف أكثر ولتطمئن إلى أن إسرائيل ليست طرفاً مباشراً في الرقابة البحرية والجوية على لبنان.
هل فعلت الحكومة ذلك؟ نشك في الأمر. ومصدر الشك ما بات محسوماً لدينا من انعدام شبه كامل للحساسية حيال هذه الأمور.
حضرة رئيس مجلس الوزراء أَزِلْ هذا الشك. أقنعنا بأنك لا تعتقد أن كل ريح غربية تهبّ علينا هي، بالضرورة، ريح خير.