عمر نشابة
«فعل الخطأ بحدّ ذاته يحتلّ الموقع الثاني بين الشرور، غير أنّ أوّل الشرور وأعظمها هو فعل الخطأ والإفلات من العقوبة» (أفلاطون). إنّ العقاب هو ردّة فعل السلطة العامّة على انتهاك القوانين والأنظمة المتواضَع عليها. يشدّد أفلاطون على لزوم أن تكون العقوبة إلزاميّةً وحتميّةً لا مفرّ منها. ورغم أنّ ذلك قد يكون موضع إجماعٍ، إلاّ أنّ فهم العقاب يضعنا أمام تحدّي البحث عن هدف العقاب ونوعه وأسلوبه. والمسوّغان الأساسيّان لاستخدام العقاب كانا عبر العصور المختلفة الجزاء والمنفعة. وفي الواقع، كان أفلاطون أوّل مدافعٍ نعرفه عن العقاب من زاوية المنفعة: «إذا فكّرت، يا سقراط، في طبيعة العقاب، فإنّك ستجد على الفور أنّ الفضائل ــ في رأي البشر ــ يمكن تحصيلها؛ فلا أحد يعاقب مرتكب الشرور بتنبيهه على الخطأ، أو لهذا السبب، وحده الغضب المفرط الصادر عن بهيمةٍ ما يمكن أن ينحو هذا النحو. ولكنّ من يرغب بإنزال عقوبةٍ عقلانيّةٍ لا يرغب بذلك تعويضاً عن خطأ في الماضي لا يمكن تداركه؛ بل هو معنيٌّ بالمستقبل، آملاً أن يرتدع الرّجل المعاقَب، وكذا من يراه يعاقَب، عن فعل الخطأ ثانيةً. فهو يعاقِب في سبيل المنع، وهذا يستدعي القول إنّ الفضيلة قابلةٌ للتعلم».
إنّ القاعدة التأسيسيّة لحقّ المعاقبة، الممارس في كلّ المجتمعات، مبنيّةٌ على حقيقة أنّه بدون المؤسّسات والتنظيم الاجتماعيّ، فإنّ لكلّ فردٍ الحقّ في استخدام مختلف الوسائل التي يرى ضرورتها لحمايته الشخصيّة وأمنه؛ من إخضاعٍ للآخرين أو إيذاءٍ لهم وصولاً إلى القتل. ولتجنّب الفوضى، يسمح أعضاء المجتمع للسلطة العامّة بحمايتهم والدفاع عنهم في مواجهة الاعتداءات. ويزعم هوبز أنّ هذا لا يعني أنّ النّاس يمنحون السلطة العامّة سلطان المعاقبة، بل يعني أنّ الحاجة للحماية والأمن تسمح له بالظهور. ويمكن لهذا أن يشرح السبب الذي سمح للماركسيّين وللكثير من المعارضين (الحقيقيين) اللبنانيين اليوم أن يفهموا العقاب على أنه وسيلة تسلّطٍ للأقوياء على الضعفاء، ولا سيّما عند فساد السلطة العامّة واختلالها الوظيفيّ.
من قتل السياسيين والإعلاميين ومن قتل الاطفال في الرمل العالي ومن رمى القذائف على البلد وعلى ثكنات قوى الأمن يجب أن تعاقبه المؤسسات الرسمية... لكنها تبدو عاجزة عن ذلك. ما هو سبب هذا العجز؟