إبراهيم الأمين
يبدو أن الأمور تتجه صوب مواجهة أعنف من كل ما يتوقعه اللبنانيون. لا يعني الامر ان البلاد ذاهبة باتجاه حرب اهلية، ولكن الاكيد ان فريق الحكم تجاوز للمرة الاولى حدود اللعبة الداخلية ببعدها الاقليمي ووضع نفسه ومشروعه في عهدة الولايات المتحدة وفرنسا، رابطاً كل شيء، بما في ذلك مصيره السياسي، بالبرنامج الاميركي في المنطقة. وهذا ما كشفته الحصيلة غير المعلنة حتى اللحظة لمحادثات النائب وليد جنبلاط في الولايات المتحدة التي عاد منها الرجل بمعنويات اكبر وبوعد بأنه لا مجال لأي تسوية أميركية ــــ سورية في المدى المنظور، وان واشنطن عزلت ملف لبنان نهائياً عن سياق ما يجري بينها وبين سوريا. ويبدو أن التوافق كان واضحاً في اعتبار أن المعارضة القائمة الآن لحكم الفريق الاكثري ما هي إلا أداة في مشروع سوري هدفه الانقلاب على الوضع القائم وجر الولايات المتحدة الى حوار معها لأجل صياغة تسوية جديدة للوضع في لبنان.
ومع ان الرياض تبذل جهوداً، قد تكون المحاولة الاخيرة قبل اندلاع المواجهة، فإن واقع الحال يشير الى ان الفريقين وإن ذهبا الى طاولة التشاور فإن كلاً منهما يعدّ العدة للمواجهة الفاصلة. والكلام الحاسم والحازم الذي قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لا يتعلق فقط بالحسابات الداخلية المرتبطة بسلوك فريق الحكم، بل هو يعكس حجم الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الاميركية بقصد إجبار لبنان على البقاء في دائرة معينة تحت طائلة العزل الكلي سياسياً واقتصادياً، وربما فتح البلاد أمام مواجهات تقوده الى مصير العراق الحالي.
والموقف الاميركي الحاد باتجاه قوى المعارضة بدأ يتسرب عبر مواقف وتبليغات يقوم بها السفير الاميركي جيفري فيلتمان مباشرة، وهو الذي قال لزواره إن بلاده لا يمكنها ان تتصرف بحياد مع ما يريده خصومها في لبنان. وهي تقف الى جانب الحكومة والى جانب من يقف الى جانبها ولن تتركهم. لكن فيلتمان الذي يعرف أن الامور تتعقد اكثر من اي وقت مضى، يقف عند حد المبادرة السعودية التي يبدو أن نجاحها مرتبط أساساً بالموقف الاميركي الذي يبدو انه لم يحسم بعد في اتجاه التهدئة، ولا سيما ان للبنان تجربة غير بعيدة مع الولايات المتحدة والتحرك السعودي، اذ في اواسط الشتاء المنصرم، سعت الرياض الى توافق بين اركان التحالف الرباعي، وذهب يومها مسؤولان في حركة امل وحزب الله الى السعودية واجتمعا الى النائب سعد الحريري وتم الاتفاق على آلية لإدارة الوضع الحكومي وفق مبدأ التفاهم السياسي المسبق ربطاً بالتفاهم الذي قامت عليه الحكومة كما جرت على أساسه الانتخابات النيابية في وقت سابق. ويومها لم يكد بيان الحريري الإيجابي يصدر حتى خرج في بيروت من اعترض، وقام بذلك كل من النائب جنبلاط ثم قائد القوات اللبنانية سمير جعجع الذي عاد وأقر في وقت لاحق بأن هذه الاعتراضات تمت بالتنسيق مع الولايات المتحدة التي ابلغت فريق 14 آذار بأنها سوف تتولى الجانب السعودي، والنتيجة كانت تعطيل المسعى السعودي برمّته وذهاب البلاد نحو أزمة.
واليوم، يقول السفيران السعودي عبد العزيز خوجة والمصري حسين ضرار إنه لا بد من دعم مبادرة بري، وذلك ليس من خلال تلبية دعوته الى التشاور بل من خلال الموافقة على مبدأ البحث في تأليف حكومة وحدة وطنية وأن يتم الأمر من خلال عملية توسيع او تبديل في بعض الحقائب. وسارعت السعودية الى تثبيت رغبتها هذه بإبلاغ هذا الموقف الى طرفي المعارضة البارزين أي حزب الله والتيار الوطني الحر. وأرفق ذلك بتوجيه دعوة عاجلة الى العماد عون لزيارة السعودية في وقت قريب.
اكثر من ذلك، يبدو ان التنسيق بين أقطاب فريق الاكثرية والولايات المتحدة بات متجاوزاً بقوة المحور الاقليمي، وثمة كلام قد يكون الأول من نوعه عن “انزعاج سعودي” من سلوك بعض أقطاب الفريق الاكثري وان ترجمة هذا الانزعاج لا تزال ضمن الغرف المغلقة وإن كان الجانب السعودي صار اكثر حرصاً من السابق على الاشادة المباشرة بالرئيس فؤاد السنيورة دون توفير التغطية التقليدية لما يقوله النائب الحريري. الى جانب مهمة اخرى تتصل بالعمل على إقناع فريق المعارضة بعدم قطع الاتصال بالرئيس السنيورة على وجه الخصوص. وان الرياض يمكنها ان تؤدي دوراً في ترطيب الاجواء مع الآخرين.
أما على مستوى الاستعداد لمرحلة ما بعد التشاور، فإن فريق المعارضة اتخذ قراراً واضحاً بعدم منح فريق الحكم فرصة التقاط الانفاس وكسب الوقت تماشياً مع جهود دولية لإصدار قرارات دولية من شأنها دفع اللبنانيين الى مزيد من الانقسام، أو ربط اي تحرك سياسي بالمواقف المتعلقة بالدور الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي. وهو الامر الذي يتغنى به اقطاب من فريق الاكثرية بينما لا يبدو أنه ادخل تعديلات على مواقف او برنامج فريق المعارضة. هذا الفريق الذي ينتظر ببساطة الجولة الاولى من لقاء التشاور حتى يلمس مدى التجاوب الفعلي مع الدعوة الى تعديل الوضع الحكومي. وإذا تبيّن أن هناك مناورة ما تقوم بها الأكثرية فإن المعارضة سوف تباشر تحركاً شعبياً تصاعدياً يقود حتماً الى النتيجة المرجوة اصلاً من طاولة التشاور.
وتكشف المصادر المتابعة للجهود السعودية بالتعاون مع الرئيس بري ان فكرة السفير الخوجة تستند الى نظرية ملاقاة مطالب الفريقين في نقطة وسطية. المعارضة تريد مشاركة سياسية أوسع، وهو فهم من اللقاءات مع العماد عون والسيد نصر الله والرئيس بري أن الامر ليس مشروطاً بضم كل المعارضين للحكومة. وفي المقابل هو يسعى الى توفير حل لمطلب فريق الأكثرية بعدم منح المعارضة الثلث المعطل الذي يمنع تمرير مشاريع أساسية تحصرها الاكثرية الآن بملف المحكمة الدولية، ما جعل مشروع الخوجة ــــ بري يقوم على فكرة توسيع الحكومة ورفع عدد أعضائها الى ثلاثين وزيراً وأن يدخل ثلاثة وزارء يمثلون التيار الوطني الحر مقابل اضافة حصة التحالف الشيعي بوزيرين واحد شيعي وآخر من طائفة اخرى. على ان يذهب البقية (وزيران) لمصلحة فريق الاكثرية، وانه في هذه الحالة يكون تحالف حزب الله ــــ عون قد حصل على اقل من الثلث بوزيرين يمثلان الرئيس بري الذي “تثق” الاكثرية بحكمته، وكذلك يوافق المعارضون على امتلاكه هذه الورقة. ولكن هل يقتصر الامر على توسيع وزيادة أعضاء؟ وماذا عن توزيع الحقائب، وماذا عن رغبة الرئيس لحود في تبديل الوزراء الذين يمثلونه في الحكومة؟