جان عزيز
يجزم احد أركان «فريق 14 آذار» بأن جلسات التشاور المقررة اعتباراً من الاثنين المقبل، لن تصل الى اي نتيجة في موضوع التعديل الحكومي. ويؤكد اكثر من ذلك، ان اي مكتسبات سياسية على هذا الصعيد لن تعطى الى «حزب الله» قبل اقرار المحكمة الدولية، وقبل منتصف كانون الاول المقبل.
ويشرح الركن المذكور قراءة فريقه بأن «حزب الله يتحرك ضمن دوائر ثلاث. الاولى تقع في حدود تصوره لذاته ودوره و«نصره» بعد حرب 12 تموز الماضي. فهو يعتبر انه حقق نصراً عسكرياً في تلك المواجهة مع أعتى جيش في المنطقة، وهذا ما يفترض ان يثمرّه، لاحقاً، نصراً سياسياً مع أوهى حكومة في المنطقة، كما يتصورها. الا ان «الحزب» فوجئ بأنه خرج من المعركة ليجد نفسه في موقع المطالَب والمحاسَب، بعدما كان يتصور العكس تماماً.
ويتابع الركن الآذاري، ان الدائرة الثانية لتحرك «حزب الله»، هي في حدود علاقته مع فريق مسيحي أساسي، يحمل في شكل تاريخي مزمن علاقة رفض او عدم ود حيال «نظام الطائف». وهذا ما جعل الفريق الشيعي الاول يغازل الطرف المسيحي المعني، بلغة «تعديل الطائف» واعادة نسج الاحلام القديمة حيال النظام والاحجام.
الا ان الدائرة الثالثة، يقطع ركن «14 آذار»، هي الأكثر أهمية وأولوية والحاحاً بالنسبة الى «حزب الله»، وهي الدائرة المرتبطة بقرار ينسبه الركن الى الحزب، باسقاط الحكومة الحالية او زعزعة الوضع اللبناني في شكل كامل، قبل 15 كانون الاول المقبل.
لماذا هذا التاريخ؟ لانه تاريخ صدور التقرير الاخير للمحقق الدولي سيرج براميرتس. ويرجح الركن الاكثري ان هذا التقرير سيكون بمثابة قرار ظني، وان كانت المهلة المعطاة للجنة التحقيق الدولية تمتد حتى حزيران من العام 2007. ويكاد الركن نفسه يجزم بأن مجلس الأمن سيسارع الى تبني التقرير ـ القرار، ويعيّن براميرتس مدعياً عاماً، ما يقتضي ان تكون المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قد باتت قائمة عند أوان هذا التاريخ. وهذا ما يعمل «حزب الله» على اسقاطه.
لماذا؟ عند هذا الحد تتحول لغة الركن الآذاري الى التلميح بدل التصريح: «قد يكون ثمة من يعتقد أن اعطاء حصانات وزارية لبعض الاشخاص قد يضيف مساحات اكبر من الامان لهم حين تبدأ المحكمة الدولية عملها، او قد يكون ثمة من صادف شاحنة «ميتسوبيشي» الشهيرة اثناء مشوارها الطويل من اليابان الى السان جورج...»
قبل ان يقطع الركن تلميحاته الاتهامية، ليعود فيجزم بأن كل هذه المحاولات ستسقط، فالمحكمة آتية، تماماً كما ذكرت واشنطن، معنا او من دوننا، وأي تصور آخر لن يكون اكثر من تأجيل «للقتلة التي سيأكلونها». مع فارق بالطبع، هو الكلفة التي سيتحملها لبنان واللبنانيون، اما النتيجة فمحتومة...
يبتسم احد المعارضين حيال القراءة الاكثرية المذكورة. مجرد تخيّلات هي؟ طبعاً لا، يجزم المعارض، فهو يعرف الركن الاكثري جيداً، ويعرف «عقله الشغّال». لا، ليسوا في حال تخيّل، بل على العكس، فهم في حال ادراك كامل ووعي دقيق للتحوّلات الحاصلة. لكنهم يحاولون مواجهتها بالمناورة والمداورة. كيف؟ يجيب المعارض: «لنستعرض المؤشرات الاخيرة، لماذا تراجع فريق الحريرية السياسية في جلسة مجلس الوزراء امس الاول عن موضوع الهيئة الناظمة للاتصالات وملحقاتها الخليوية؟ ولماذا تراجعوا من قبل في موضوع تعيين موظف غير مدني مكان آخر؟ لقد تحدّيناهم ان يخرجوا الموظف الأصيل من مكتبه او ان توقع الموظفة المكلفة ورقة واحدة بدلاً من الاصيل، وتراجعوا. فهل من يعجز عن تغيير موظف في وزارة احدى حقائب الحريرية السياسية الاساسية، يقدر على انتخاب رئيس للجمهورية بمن حضر، بعد عام، كما يدعون ويهولون؟».
ثم الأهم الأهم، يتابع المعارض، ماذا يعني الخط السعودي ـ الحزبللاهي المستجد؟ وماذا تعني دعوة ميشال عون لزيارة الرياض؟ الا يدرك الآذاريون معاني هاتين الخطوتين وابعادهما؟ بل يدركونها تماماً، ويتصرفون بدافع منها، ولو بغير تدقيق أو هدوء او اتزان في ردود الفعل. فمنذ عام ونصف عام سئل احد الاقطاب المسيحيين في فريق الحريرية السياسية عن سبب تموضعه الحاصل، فأجاب: «لأن هذا هو التحالف العريض من بيروت الى الخارج ، والذي سيحكم لبنان ما بعد الوجود السوري». وكان جلياً ان «الخارج» المقصود، يتوقف محورياً عند الرياض. فجأة صار عون متقدماً عليهم هناك، فانطلقت الهستيريا، ان على مستوى ردود الفعل الشخصية، او على مستوى دلالات الخطوة لبنانياً واقليمياً ودولياً».
يختم المعارض: «تذكرني احداث هذه الفترة بما جرى مطلع عام 1994، تحديداً عقب زيارة سمير جعجع الى القرداحة للتعزية بوفاة باسل الأسد. في الايام التالية للواجب الاجتماعي البحت، تقاطر حلفاء سوريا الى عنجر مستفسرين مستوضحين مرتعبين، وحتى عاتبين.
وكانت ترجمة هستيرياهم مفادها: لقد سرنا مع دمشق لنربح السلطة، وسار جعجع ضدها ليربح الارض. فاذا ما انفتحت عليه اليوم قد تتيح له المجال لجمع الارض والسلطة معاً، وتعرضنا لخسارة الاثنين معاً». ويقول العارفون أن تلك الهستيريا التي انعكست توتيرا اعلاميا وسياسيا لاحقا، كانت أحد «مكوّنات» انفجار كنيسة سيدة النجاة في زوق مكايل بعد أيام في 27 شباط من ذلك العام.
اليوم تبدو الرياض لهؤلاء محل الشام، وعون محل جعجع, وواشنطن داعمة أبدية لوحدة لبنان واستقلاله وسيادته، وهستيريا الحالمين بتأبيد سلطتهم هي هي.