طارق ترشيشي
في ذروة القلق الذي تعيشه ازاء ما اعدته المعارضة من خطط لدفعها الى الإئتلاف معها في حكومة وحدة وطنية حظيت الاكثرية الحاكمة بجرعة دعم ومضادات حيوية وفرها البيان الاخير للبيت الابيض الذي يحذر الحكومتين السورية والايرانية وحزب الله وحلفائهم في لبنان من «اي محاولة لزعزعة استقرار» حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.
وبمقدار ما يوحي البيان الاميركي بأنه داعم لهذه الاكثرية وشاداً لأزرها، فانه ما يكشف مدى ضعفها وعدم قدرتها على حماية نفسها، ما دفع واشنطن الى الدخول مباشرة على الخط لتهدد المعارضة وحلفاءها. كذلك يكشف ان البيت الابيض صار «متحدثاً» بإسم االاكثرية نفسها منتقلاً من موقع الوصي عليها الى موقع المقرر عنها. بحسب ما يقول بعض اوساط المعارضة، مضيفاً ان اعتبار اي تحرك ضد الحكومة تحركا ضد الشرعية الدولية يعني ان هذه الحكومة لا تستطيع السباحة وحيدة في بحر التظاهرات الآتية فتدخَّل الاميركي لينقذها عبر اساطيله من السقوط المحتَّم.
لكن هذا التصرف الاميركي الذي تزامن مع وجود رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط في واشنطن لا يلغي، في رأي اوساط المعارضة، حقيقة ماثلة على ارض الواقع المحلي والاقليمي والدولي، هي ان الاميركي بات «طبيباً مريضاً يداوي حلفاءه المرضى وهو عليل». إذ لا يمكن لعاقل ان يصدق حرصه على ما يسميه «الديموقراطية الشابة» التي «إنتخبت» حكومة السنيورة في لبنان ونكرانه في الوقت نفسه الديموقراطية التي إنتخبت حكومة «حماس» في فلسطين .
لذا فإن البيان الاميركي لا يعدو كونه محاولة لتجميع اوراق تعوض الخسارة التي تنتظر ادارة الرئيس جورج بوش في الانتخابات النصفية التي ستجري الثلثاء المقبل. لكن هذا البيان، بحسب بعض اركان المعارضة، لا يلغي واقعاً هو أنه بعد إنسداد الأُفق الللبناني امام المشروع الاميركي وفشله في إختراق جبهة المعارضة بكل اطيافها، معطوفاً على فشل العدوان الاخير في تقويض»حزب الله» الذي يشكل رأس حربتها، تجد واشنطن نفسها مرغمة على تعديل مشروعها في شقِّه اللبناني، على الاقل، بإعادة التواصل مع دمشق. ولكي تضمن عدم ممانعة حليفتها «قوى 14 آذار» لهذا التعديل، لجأت على ما يبدو الى البدء بتفكيكها عبر:
ـ اولاً: الاستعانة بالسعودية للضغط على النائب سعد الحريري ليفك إرتباطه بقائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع، فيما انفتحت الرياض مباشرة على النائب ميشال عون الذي سيزورها الاسبوع المقبل ملبياً دعوتها.
ـ ثانياً: إستيعاب حزب الكتائب من خلال رئيسه الاعلى الرئيس امين الجميل لأنها (اي الادارة الاميركية) تدرك ان هيكلية الحزب المعتمدة حالياً على رئاسة كريم بقرادوني وعلى النائب نادر سكر مهيأة لفتح الطريق امام الجميل للإبتعاد بالحزب عن جعجع ومنظومة «14 آذار». وترددت معلومات ان بعض الجهات فاتحت الجميل بهذا الانفصال في مقابل اعطائه بعض الضمانات والتعهدات الاميركية بالضغط على الاكثرية لكي تتقبل التراجع الاميركي، فإذا رفضت تلجأ واشنطن عندها الى تفجيرها من الداخل.
ـ ثالثاً: فتح قناة إتصال ديبلوماسية مع القيادة السورية عبر نايجل سبينولد ومستشار رئيس الوزراء طوني بلير الذي زار دمشق الاسبوع الماضي توطئة للبدء بمفاوضات في سلة واحدة مع الجانب السوري تتناول العراق ولبنان وفلسطين قبل الانتخابات النصفية الأميركية المقررة الثلثاء المقبل، حتى إذا خسرت إدارة بوش فيها تكون قد أمَّنت مفاوضات مع سورية وايران ليس تحت ضغط الخسارة التي تنتظرها في هذه الانتخابات، وإنما بكامل «الحرية والقوة».
ويفيد بعض اركان المعارضة ان العلاقات بين اطراف «14 آذار» يسودها حالياً «نوع من انعدام الثقة». فالنائب بطرس حرب يجد نفسه مضطراً الى الابتعاد قليلاً عن الخطاب المتشنج وعدم التصادم مع المعارضة علَّه يحفظ «خط الرجعة» على طريق بعبدا. والنائب جنبلاط يرى ان وضعه الخاص لا يتحمل هموم الآخرين.
وفيما كل فريق من الاكثرية يفتش عن «قارب النجاة السياسي» له فإن معلومات تتواتر لتيار «المستقبل» تفيد بــــــــــــأن بعض اركـــــــــان المعارضة يتجه الى تسميــــــــــة الوزير محمد الصفدي رئيــــــــساً للحكومة بعيداً من السنيورة، فــــــــــإذا عارضه هو وبقية اطراف 14 آذار يخسرون في هذه الحال نواب التكتـــــــل الطرابلسي الاربعــــــــــة. اما إذا قبلوا به فسيتحول عنــــــــــدها الى قوة غير تابعة تحقق التوازن، ويفلت من يد «المستقبل» و14 آذار عمومـــــــــــاً آخر المواقع التي تخولهم الامساك بزمام الامور وبالاكثرية مما سيدفعهم الى القبول بتوسيع الحكومة لتجنب الوصول الى التغيير الحكومي الجذري الذي وعدهم به الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله وهو تغيير يأتي بالرئيس نجيب ميقاتي على رأس حكومة ذات برنامج إنقاذي يبدأ بقانون إنتخابي وإنتخابات نيابية مبكرة وينتهي بإنتخاب رئيس جمهورية، او يأتي بالرئيس سليم الحص اذا عاد عن إعتزاله بالبرنامج نفسه.
على ان كل المعطيات تدل حتى إشعار آخر، وتحديداً حتى انتهاء طاولة التشاور المقررة الاثنين المقبل، ان الاكثرية تناقش في ما بينها ومع رئيس مجلس النواب نبيه بري خيار توسيع الحكومة مستندة الى معطى لديها مفاده ان واشنطن والرياض تتمسكان ببقاء السنيورة. ولكن غير معروف بعد هل انهما تؤيدان استمرار حكومته وتوسيعها؟ ام انهما تؤيدان عودته على رأس حكومة جديدة ؟علماً ان السيد نصرالله اكد في حديثه الأخير ان المعارضة لا تمانع في ان يكون السنيورة رئيساً لحكومة الوحدة الوطنية.