كامل جابر
تعتري عملية جمع هذه القنابل وتفجيرها جملة من الصعوبات وتحتاج إلى أكلاف مرتفعة وأيام طويلة لا تجفّ دموع الحاج محمد حسين حطاب، كلما لاحت صورة آخر عنقود أبنائه، هادي، «الفتى الذي هلّل في اليوم الأخير من شهر حزيران المنصرم لأعوامه الـ11. وهو، منذ الثامنة من العمر، يقود الجرار الزراعي وسيارة العائلة، ويطلق في البيت حياة». ومضات من ذاكرة يطلقها الوالد المفجوع بصغيره وبشقيقه موسى الذي قضى بعد ثلاثة أيام من إصابته بانفجار القنبلة العنقودية، بعد أقل من نصف ساعة من صباح وقف إطلاق النار. وكانت العائلة قد صمدت في حي السهل في حبوش، جارة النبطية، طوال أيام العدوان، وما إن خرجت إلى الطريق العام لتحتفي بسلامة الجميع، وتستقبل العائدين من النزوح، حتّى فوجئت بعشرات القنابل العنقودية تغطي الطريق والحقول المجاورةأراد موسى إزالة إحدى هذه القنابل من أمام باب المبنى الذي يقطنه، وتحلّق حوله العديد من أفراد عائلته. وما إن حرّكها حتى انفجرت وأصابت الفتى هادي بجروح في بطنه وحوضه كانت كفيلة بوفاته على الفور أمام أعين والدته. وأصابت عمّه موسى (35 سنة) بجرح في الشريان الأبهر لم تجدِ معه عملية الوصل، فقضى في المستشفى بعد ثلاثة أيّام. وجُرح عمّاه الحاج علي (46 سنة) وإبراهيم (40 سنة) وزوجة موسى هناء علي الخطيب ومحمد حسن حطاب.
نكبة عائلة حطاب، تشبه مصائب عشرات العائلات الجنوبية التي تُنكب كلّ يوم، بأحد أفرادها، ولا سيما الأطفال منهم، قتيلاً أو معوقاً أو متألماً من جراح لا تشفى بالهيّن. وإذا بسبحة العدوان الجديد النابت على جوانب الطرق وفي الحقول، تبدأ بعائلة حطاب في حبوش، والراعي إبراهيم عماشة النازح بقطيعه من بلدته فرون بعد دمار منزله فيها إلى أنصار، فيشهد ما تعرضت له أنصار من عدوان ومجازر، ثم يكون الشهيد الأول هناك بعد وقف العدوان. ويسقط جريح من عناصر الدفاع المدني في النبطية وجريحة في يحمر، ثم أربعة، لينتهي اليوم الأول بسقوط أحد قادة المقاومة الاسلامية الشيخ يوسف خليل أثناء إزالته القنابل العنقودية من طرق يحمر التي دمر العدو عشرات المنازل فيها.
ولم يسلم ضباط الجيش اللبناني وعناصره، المنهمكون في عملية تنظيف القرى والحقول من هذا الشّر المستتر، فسقط العديد منهم شهداء ومصابين. كذلك أصيب عناصر من فرق إزالة الألغام، الأجنبية والعربية والمحلية، من مفاعيل هذه القنابل التي يخرج منها، بعد انفجارها في الجو، نحو مئة قنبلة في القذيفة المدفعية، وثلاثة أضعاف في القنبلة الصاروخية، وبحجم أكبر، لكن لا يتعدى في الحالتين حجم قبضة اليد. لذلك تعتري عملية جمع هذه القنابل وتفجيرها جملة من الصعوبات وتحتاج إلى أكلاف مرتفعة وأيام طويلة، في وقت لم تحدّ كل التحذيرات التي أطلقها الجيش اللبناني والقوى السياسية والحزبية والبلديات، من وقوع الإصابات وسقوط القتلى.
ويلفت ماغنس، المستشار الميداني لفريق «ماغ» الذي يقوم بإزالة الألغام في العديد من القرى الجنوبية بالتعاون مع المكتب الوطني لنزع الألغام في الجيش اللبناني، إلى أن «صعوبة جمع القنابل العنقودية وتفجيرها، تكمن في وجودها في مناطق مأهولة، وبأعداد كبيرة جداً، يجب علينا في كثير من الأحيان، تفجير كل قنبلة على حدة، بعد إجراء عزل وتنبيه وقطع الطريق، وهذا يتطلب المزيد من الوقت. لذلك لا يمكننا تحديد وقت محدد لإنهاء هذا الأمر الذي قد يحتاج إلى أشهر طويلة».
ويقوم الجيش وفريق «ماغ» بتفجير القنابل العنقودية من خلال صاعق قد يفجّرها من المرة الأولى، وإلّا يعطبها. و«نصرّ على تفجيرها حتى نزيل خطرها بالتمام. وإذا أتتنا أموال التبرعات التي تساهم في نفقاتنا، قد ننتقل إلى تفجير القنابل الكبيرة وصواريخ الطائرات غير المنفجرة، فهذا الأمر يحتاج إلى كلفة باهظة».
وفي موازاة هذا القتل المستتر وما تخلّفه هذه القنابل من إعاقات وإصابات، تواجه المصابين صعوبات في الاستشفاء ومداواة الجراح، إذ لا تستجيب المستشفيات لفترات العلاج تحت حجة أن وزارة الصحة لا تغطي جميع نفقات الإصابة من القنابل العنقودية.