جورج شاهين
لكل أولوياته و«الثلث المعطل» هاجس الأكثرية

عشية انعقاد طاولة التشاور في أولى جلساتها قبيل ظهر اليوم، ما زالت مساعي التهدئة قائمة في موازاة أجواء التصعيد، على خلفية الكثير من النقاط التي تشكل أولويات متناقضة لدى طرفي النزاع، وخصوصاً ما يتصل بملفي حكومة الوفاق الوطني وقانون الانتخاب، وما بينهما من عناوين تفصيلية لا يمكن إلا أن يتناولها البحث، لما لها من ترابط مادي ومعنوي وسياسي مع بندي جدول الأعمال.
وإذا كان ثابتاً أن جميع المدعوين إلى الطاولة التشاورية المستديرة سيحضرون «بكامل أناقتهم» اليوم «إرضاء» لسلسلة النصائح العربية والدولية، وبناء على مضمون البيانات التي «تليت» خلال الأيام الماضية عند مدخل قصر عين التينة، فإن أيّاً منهم لا يمكنه التكهن بما ستؤول إليه المشاورات، رغم كثرة السيناريوهات المتوقعة بما تحمله من تفاؤل أو تشاؤم.
وفي ظن المتابعين لوقائع اللقاءات والمواقف التي سبقت الجلسة، أن السقوف العالية ما زالت قائمة كما قال أحدهم لـ «الأخبار»، وهو ما سيشكل مادة للنقاش في الجلسة الأولى. ففريق الأكثرية يتجه إلى المشاركة، وفي ذهنه مخاوف على «الإنجازات» والمحكمة الدولية، وعلى التقسيمات الإدارية وقانون الانتخاب وإحياء الحلف الرباعي، وعلى الثلث المعطل الذي يشكل الهم المشترك لأطراف هذا الفريق كافة، فيما يتجه الآخرون إلى اللقاء وفي خلفيات المواقف ما بات محسوماً بالنسبة اليهم، وهو ما يتصل بالمشاركة في الحكومة، والدخول اليها بالثلث الضامن.
وفي خضم المساعي التي نشطت خلال الأيام الماضية، تحدثت مصادر الأكثرية إلى «الأخبار» عن اللقاء الموسع لقيادات الصف الأول الذي عقد بعد ظهر أمس في قريطم وقالت: إن البحث تناول «كل الخيارات المطروحة ووضعت السيناريوهات المضادة للطروحات السلبية، وسبل دعم الإيجابي منها».
ونقل عن أحد أقطاب اللقاء قوله «إن الحديث عن الثلث المعطل يعني حديثاً عن الحكومة ككل، فمن يمتلك هذا الثلث يمتلك السلطة، فكيف إذا كان من يطلبه يمتلك الثلث الآخر في المجلس النيابي كما هو قائم اليوم؟».
وأضاف: «إن لهذا الثلث أهمية خاصة في هذه المرحلة بالذات على أبواب الاستحقاقات المقبلة، ومنها انتخابات رئاسة الجمهورية، التي تستدعي بقاء الحكومة قوة متضامنة في اتجاه انتخاب البديل، فلا تشهد البلاد فراغاً رئاسياً هو الأخطر في المرحلة الحالية».
وقال أحد أعضاء لقاء قريطم لـ «الأخبار»: «إن القرار محسوم بحضور الجميع، وهدفنا حل الأزمة في البلد « ومش راح نزعل دولة الرئيس».
وعما اذا كان اللقاء قد وزع الأدوار بين أعضائه في اللقاء اليوم، رفض الحديث عن توزيع أدوار، لأن الأمر تعدى مثل هذه الأساليب، ولأن النقاش المستفيض على مدى ثلاث ساعات ونيف أدى إلى قراءة متناسقة وسعت دائرة التفاهم بين الجميع.
وقال آخر من المشاركين في اللقاء نفسه، انه ليس من مصلحة أحد أن يفشل اللقاء التشاوري، «فالبلد لا يتحمل الخسائر الكبيرة، وما من أحد فوق رأسه خيمة ليكون بمأمن من النتائج السلبية إذا حصل ذلك لا سمح الله».
وعشية الجلسة التشاورية الأولى قالت مصادر قريبة من قصر بعبدا لـ«الأخبار» إنه لا يمكنها التكهن من الآن بما ستؤول إليه الحوارات المنتظرة، وإنها تتطلع باهتمام إلى تلبية جميع من شملتهم دعوة الرئيس بري، لأنها تشكل تقارباً في النظرة إلى ضرورة معالجة الوضع بالمنطق السياسي وعبر الحوار، فهو من أفضل الوسائل لمقاربة الحلول الممكنة.
وأضافت: إن البحث الجدي الذي يوفر الوصول إلى حكومة وفاق وطني تتمثل فيها كل الأطراف، هو أمر مرحب به ومطلب مزمن، فالتفرد بالقرارات الكبيرة لم يكن يوماً أمراً مرغوباً، وقد دفعت البلاد بما فيه الكفاية أثماناً باهظة في أكثر من مناسبة وحقبة تاريخية.
وتعليقاً على بعض الاتهامات التي رافقت وضع رئيس الجمهورية ملاحظاته على المشروع الأولي للمحكمة الدولية، قالت المصادر نفسها لـ«الأخبار» إن معظم الردود التي صدرت لم تقارب مضمون هذه الملاحظات، ولم تكن للأسف سوى ردود فعل سياسية، منها ما هو بريء للغاية، وقد أُملي على أصحابه لأسباب مختلفة، ومنها ما كان تعبيراً «صادقاً» عن حجم الحقد الذي يختزنه البعض بسبب أو بدون سبب، ومنها ما كان مدفوع الثمن السياسي والارتباط الأعمى.
وسخرت المصادر من بعض التهجمات على لحود، ووضعت أصحابها في موقع الغباء السياسي الذي لا يتصل بواقع الأمور. وقالت: إن الرئيس لحود يدرك أكثر من غيره أنه، لا هو ولا غيره، يمكنه عرقلة قيام المحكمة الدولية التي قامت بقرار دولي أجمع عليه أعضاء مجلس الأمن واللبنانيون جميعاً، وإذا قال أحدنا لا للمحكمة فإنه يخطئ بحق نفسه وبحق لبنان، وإذا قصد أحدنا الوقوف في وجه قيامها فهو مخطئ أيضاً، وقد يدفع ذلك بمجلس الأمن إلى تأليفها من دون الرجوع إلى اللبنانيين، وقد يؤلفها باللبنانيين أو من دونهم.
وأضافت: على الخائفين على المحكمة الدولية أن يبحثوا عن أسباب أخرى غير لبنانية تحول دون قيامها، إذ إن من يقف في وجه قيامها قد يتحول في شكل من الأشكال إلى مطلوب أمامها، وقد يتحول محتجزاً في لبنان وتقفل أمامه عواصم ومدن العالم كله، وتحتجز أمواله وفقاً للقوانين الدولية.
ولذلك تختم المصادر بدعوة كل من يربط موقفه من أي أمر بالمحكمة الدولية، إلى أن يبحث عن عذر آخر، لئلا تتحول المحكمة إلى «قميص عثمان»، وهي لا تحتمل ذلك.