نقولا ناصيف
فتحت الجولة الأولى من التشاور أمس باب الحوار في تأليف حكومة وحدة وطنية، من غير أن يكون مؤكداً نجاح الزعماء في التفاهم على بند يطلب من الغالبية الحاكمة التنازل عن معظم السلطة التي تملكها. والواضح أن هذه تريد مناقشة الموضوع الحكومي من غير أن تقدّم حتى الآن بدائل من إخفاق التشاور. أما «حزب الله» الذي يتصرّف على أساس أنه الخاسر السياسي في ظل حكومة الغالبية، فإن البديل الذي بدأ يُعدّ له هو 2000 خيمة ضخمة سينصبها في الساحات الكبيرة وعند مفترقات الطرق لتشكّل بداية اعتصام مفتوح حتى إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وهو يتصرّف أيضاً، والرئيس ميشال عون، على أنهما ذاهبان إلى المواجهة إلا إذا تفادتها الغالبية التي ترفض التخلي عن سلاحها الأقوى في الحكم، وهو ثلثا مقاعد مجلس الوزراء. بعد رفضها في الأسابيع المنصرمة الخوض في تأليف حكومة وحدة وطنية، باتت الغالبية اليوم أقرب الى تقبّلها مشروطة: توسيعها دون التنازل عن الثلثين المقرّرين في مجلس الوزراء.
أما بالنسبة إلى الفريق الآخر، فللمشكلة وجه آخر تماماً:
1 ــــــ يصرّ «حزب الله» وعون على تأليف حكومة وحدة وطنية تأخذ في الاعتبار هدفين متلازمين: التوسيع والحقائب. تالياً مقدار تشبّثهما بتمثيل الزعيم المسيحي الأقوى في الحكومة بالحجم التي يمثّله في مجلس النواب، فإنهما يصرّان أيضاً على حقائب رئيسية تعكس جدوى المشاركة في الحكومة الجديدة وفاعليتها. ويشير ذلك إلى تمسّك عون بإحدى حقيبتين، سيادية كوزارة المال، أو رئيسية كوزارة العدل. وهما الحقيبتان اللتان يشغلهما راهناً وزيران مارونيان مواليان للغالبية، ولانطوائهما على دلالة خاصة تتصل بالاشتباك السياسي بين الجنرال وخصومه في الغالبية: تعني وزارة المال مراقبته المباشرة للإنفاق وخططه ووقف ما يراه إهداراً في سياق حملة أعلنها على الفساد، وتعني وزارة العدل المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
2 ـــــــ يبدو تمسّك الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله بالثلث زائد واحداً في مجلس الوزراء قاطعاً، وهو المصدر الفعلي للمطالبة بحكومة وحدة وطنية. والمطّلعون عن قرب على موقفه يشيرون إلى أن تمسّكه بهذا المطلب هو الضمان الوحيد الذي يجعله يثق بوجوده شريكاً فعلياً في الحكم، بعدما خَبِرَ إخلالاً بتعهّد كان قُطِعَ له في هذا الصدد. ويقول هؤلاء إن نصر الله تبنّى مطلباً للرئيس إميل لحود عند تأليف حكومة السنيورة في تموز 2005، هو وضع الثلث المعطل في يد الفريق الآخر الذي يمثله وزراء لحود (آنذاك) والرئيس نبيه بري و«حزب الله» كي تكون ثمة ضمانات في يد هذا الفريق تمنع الغالبية من الاستئثار بالسلطة. لكن رئيس الغالبية النائب سعد الحريري سارع إلى الاجتماع بنصر الله وأكد له أنه لا يحتاج إلى ضمان، وأنه ـ أي الحريري ـ هو ضامن عدم الاستئثار، وجزم له بأن أياً من القرارات لن تصدر عن مجلس الوزراء من دون موافقة «حزب الله»، ونصر الله خصوصاً. على أن الحزب اكتشف، في ضوء الخلاف الذي نشب في مجلس الوزراء في 12 كانون الأول 2005، على أثر استشهاد النائب جبران تويني وإصرار الغالبية الحكومية على إقرار المطالبة بمحكمة دولية، أنه فقد هذا الضمان. حرَدَ الوزراء الشيعة فتجاهلتهم الغالبية وتمسّكت بتصويت الثلثين على المطالبة بمحكمة دولية، فاعتكفوا سبعة أسابيع. كان الحزب قد لمس وقتذاك تدحرج الثقة بينه وبين شريكه في «التحالف الرباعي»: انقلبت عليه الغالبية في الشارع، وفتحت سجال التشكيك في سلاحه، واستقلّت بعملها في مجلس النواب باستخدام نصاب الأكثرية المطلقة.
3 ــــــ تعرف المعارضة أن من الصعوبة بمكان موافقة الغالبية على التخلي عن الثلث زائد واحداً في مجلس الوزراء، كما التساهل في التخلي عن حقائب تتصل بسيطرة الغالبية على الحكم سياسياً واقتصادياً ومالياً وأمنياً، أو تتصل بجريمة اغتيال الرئيس السابق للحكومة. أضف أن فاعلية الغالبية في مجلس النواب لا تتعدّى بعض القوانين باستخدام نصاب الأكثرية المطلقة. ويعني ذلك أن ليس في وسع الغالبية هذه الاستئثار بانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية أو فرض مرشحها، دون حاجتها إلى استكمال نصاب الثلثين في البرلمان. وتعرف الغالبية أن أعضاء بارزين في 14 آذار لا يجارون مناورة القائلين في صفوف هذا الفريق أن لانتخاب الرئيس الجديد يُكتفى بنصاب النصف زائد واحداً لالتئام مجلس النواب هيئة ناخبة.
وفي واقع الأمر ـ ولعلّه هنا يكمن القلق الفعلي للغالبية ـ فإن إمساك المعارضة بالثلث المعطل زائد واحداً لا يمكّنها من السيطرة على السياسة العامة للحكومة ولا على قرارات مجلس الوزراء والتهديد بإسقاطها فحسب، بل أيضاً على التئام مجلس الوزراء نظراً إلى أن النصاب القانوني لانعقاده يوجب حضور ثلثي الأعضاء.
4 ـــــــ في بضعة اجتماعات عقدها رئيس الحكومة مع مسؤولين رسميين لإجراء تقويم لخيار التظاهر والاعتصام الذي دعا إليه «حزب الله» واقترن بجدية خاصة إذ قال نصر الله عندما حذّر من هذا الخيار «سننزل إلى الشارع إن شاء الله»، تأكّد له أن الاعتصام سيكون في ساحة الشهداء لئلا توسم الساحة الفسيحة بفريق 14 آذار دون سواه. ورغم اقتراحات السنيورة بنقل الاعتصام إلى خارج الوسط التجاري لبيروت أو أي مكان آخر، تحدّثت المعطيات التي توافرت لديه عن إصرار على الاعتصام في ساحة الشهداء من دون الاقتراب من السرايا الحكومية بالضرورة نظراً إلى المغزى الأبلغ للاعتصام في هذه الساحة بالذات، وإنه اعتصام مفتوح إلى حين سقوط الحكومة بدءاً بقطع الطرق في أكثر من مكان بغية شلّ آلة الحكم وتعطيل الإدارات والوزارات والمدارس.
هي إذاً محاولة مقلوبة لما كان حدث في 15 أيلول 1952.
كانت مخاوف رئيس الحكومة أن شتيمة واحدة يطلقها أحد المتظاهرين من شأنها افتعال اشتباك مع القوى الأمنية ربما أفضى إلى ما لا قِبَلَ لأي فريق على تحمّل وزره. كذلك قالت وجهة نظره لمحدّثيه إن ثمة شارعاً في مقابل شارع لتقليل وطأة تهديد المعارضة للغالبية، كان قد أكد في الاجتماعات تلك أنه مع حرية التعبير والتظاهر بالتزامن مع تشديده على أن قوى 14 آذار لن تتخلى عن الثلث المعطّل. إلا أن لا أجوبة محددة لديه حيال الجهة العسكرية والأمنية المولجة بضبط الأمن، وخصوصاً بعدما أبلغ إليه قائد الجيش العماد ميشال سليمان أن الجيش سيطبّق على أنصار المعارضة الحالية ما طبّقه في 14 آذار 2005 على أنصار المعارضة السابقة، وهو السماح لهم بالتظاهر والاعتصام.