طارق ترشيشي
يقول أحد أقطاب «طاولة التشاور» إن فريق الأكثرية هو على قاب قوسين أو أدنى من تقديم تنازلات للمعارضة، ولكنه سيبقى يماطل ويناور حتى ربع الساعة الأخير، منتظراً تبلور تطورات ما في الموقف الأميركي، في ضوء نتائج الانتخابات التشريعية الأميركية التي جرت أمس.
ويعتقد هذا القطب أن الإدارة الأميركية الجمهورية إذا خسرت في هذه الانتخابات أمام الحزب الديموقراطي (وهذا ما ظهر من النتائج حتى الآن) فستكون ملزمة تغيير توجهاتها وتليين مواقفها إزاء الوضع في لبنان والمنطقة. أما إذا ربحت فستتشدد وتندفع إلى خيارات جديدة لاستنقاذ مشاريعها الإقليمية والدولية المهددة بالفشل. وإلى أن تتبلور النتائج النهائية للعملية الانتخابية، طلبت واشنطن على ما يبدو من «حلفائها» في لبنان وفلسطين وفي مناطق أخرى من العالم عدم الدخول في أي تسويات مع خصومهم، في انتظار إشارة منها يبنون في ضوئها على الشيء مقتضاه.
ويؤكد وجود هذا التوجه الأميركي ما سرّبه رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط لبعض أقطاب التشاور، وربما بعلم بعض أركان «فريق 14 آذار»، ومفاده أن الأكثرية ممنوع عليها أميركياً تقديم أي تنازلات في هذه العجالة، تسهِّلُ قيام حكومة وحدة وطنية. وأكثر من ذلك فإن ما يؤكد هذا المنع الأميركي هو عدم ولادة حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية كما كان مقرراً قبل يومين، رغم اتفاق حركتي «فتح» و«حماس» عليها، إذ طلبت واشنطن من رئيس السلطة محمود عباس استئخار أي تسوية مع «حماس» إلى ما بعد الانتخابات الأميركية. وتفيد معلومات بأن جنبلاط في سياق تسريبته هذه المبنية على اقتناعه بتراجع المحور الأميركي ــ الفرنسي، وبالوضع الحرج الذي آلت إليه الاكثرية، «يحبِّّذ» أن تنزل المعارضة إلى الشارع لتُخرِج الأكثرية من حراجتها ولتدفعها إلى تقديم تنازلات، هي الآن في صددها، ولكن الضغوط الخارجية تمنعها عنها.
وفي اعتقاد قطب تشاوري آخر معارض، أن الأكثرية تدرك أنها «باتت مجبرة» على تقديم تنازلات، لأن الدعم الدولي لها وتحديداً الأميركي والفرنسي يتراجع يومياً. «ولذلك فإنها من الآن وصاعداً ستخسر من رصيدها يومياً كلما تأخرت في التنازل». ويضيف: «إن عين الأكثرية هي على رئاسة الجمهورية، لذا فإنها تربط الموضوع الحكومي بها، اعتقاداً منها أن المعارضة إذا حصلت على «الثلث الضامن» ستعمد إلى إسقاط الحكومة عبر استقالة وزراء هذا الثلث، وإدخال البلاد في فراغ وأزمة حكم، إذا شعرت بأن الانتخابات الرئاسية ستأتي برئيس من ضمن «14 آذار».
لكن أوساطاً سياسية عليمة تؤكد أن التسوية ستحصل بين الأكثرية والمعارضة، وتتمثل في حكومة تتحقق فيها شراكة الجميع في القرار، لأن هناك «توازن رعب» يحكم الواقع السياسي ومنشأُه قلقان:
• قلق المعارضة من أن تنعكس النتيجة السياسية لأي مواجهة داخلية انخفاضاً في المرتبة العالية جداً التي تحتلتها المقاومة على المستويين العربي والإسلامي، نتيجة انتصارها الاستراتيجي على إسرائيل في عدوان تموز الماضي ،لأن هذه المواجهة قد تظهر المقاومة كأنها «طرف» في نزاع داخلي حرصت دائماً على عدم الدخول فيه.
• قلق الأكثرية من ان تنعكس النتيجة الامنية لأي مواجهة داخلية عليها ضموراً وتراجعاً في موقعها ودورها في الواقع السياسي، لأن هذه المبادرة ستصبح في ضوء هذه المواجهة في يد المعارضة.
وفي رأي الأوساط إياها أن ما يدفع الأكثرية إلى التمسك بلاءاتها هو استمرار رهانها على المشروع الأميركي، لأنها لم تقتنع بعد بأن هذا المشروع الذي يحمل عنوان «الشرق الأوسط الجديد» قد هُزِم مع انتصار «حزب الله» على اسرائيل. لكن يفترض ان يكون اعتراف جنبلاط بتراجع المحور الأميركي ــ الفرنسي قد وضع حداً لهذا الرهان، ودفع الأكثرية غلى التفتيش عن تسوية لا تُظهِرها أنها تنازلت أو انكسرت أمام المعارضة. ويبدو أن رئيس مجلس النواب نبيه بري قد فتح لها باب هذه التسوية عبر قوله إن «العبرة هي في التوافق والثقة بعضنا ببعض وليس في العدد»، ملمحاً إلى إمكان العودة إلى الثلث زائد واحد، الذي كان قائماً في الحكومة لدى تشكيلها، ولم يثر يومها أي مشكلة، إلاَّ عندما غير بعض وزراء هذا الثلث مواقعهم السياسية وبدأت المعارضة تطالب بنسبة تمثيل في الحكومة تتناسب مع حجم تمثيلها في مجلس النواب.
غالب الظن أن الحل ــ المخرج للأكثرية، الذي كلف المتشاورون النائب ميشال المر «طبخه»، سيكون عودة إلى التوازن الذي كانت الحكومة قامت عليه عبر توسيعها إلى 26 أو 30 وزيراً، وتغيير بعض الوزراء الذين خرجوا من «ثلث التوازن» الذي كان فيها، وتعيين آخرين لرئيس الجمهورية إميل لحود وللمعارضة مكانهم، على ان يكون بري «الضامن» لـ «الثلث الضامن» المتكون من جديد.