عرفات حجازي
هل يقع المحظور وتفشل مبادرة التشاور؟
وهل تنجح مهلة الثماني والأربعين ساعة التي طلبها الأقطاب للتشاور والاتصالات بحثاً عن حلول ومخارج في تجاوز القطوع المكلف والخطير؟
الوضع كما يراه مدير جلسات التشاور بات عند مفترق صعب ضاقت فيه الخيارات، فإما سلوك طريق الحل عبر التفاهم على حكومة وحدة وطنية على الأسس والمرتكزات نفسها التي قامت عليها الحكومة الحالية، وإما سلوك طريق المواجهة وفتح البلد أمام أزمة حكم وأمام شارع يمكن أن يشعله مندسّون بالعنف والفوضى.
الرئيس بري لا يبدو أنه فاقد الأمل من إمكان حدوث تراجعات متبادلة وتكوين اقتناعات مشتركة. اقتناع الأقلية بأنه لا سبيل لقيام حكومة وحدة وطنية على أساس المشاركة الحقيقية في اتخاذ القرارات بغير التفاهم مع الشريك الآخر، واقتناع الأكثرية بأنه لا مجال للإبقاء على التوازن السياسي القائم من دون الأخذ بعين الاعتبار موازين القوى والمتغيّرات التي أحدثها العدوان الإسرائيلي على لبنان وما أفرزه من نتائج. من هنا جاء طرحه مخرجاً على طاولة الحوار بتسميةِ الثلثِ المعطِّلِ الثلثَ المشارك، وعلى قاعدة الإبقاء على الحكومة الحالية بمكوّناتها الأساسية وبرنامجها الوزاري مع توسيعها على الأساس الذي بُنيت عليه، الثلث زائد واحد، منطلقاً من أن العبرة هي في التوافق والثقة المتبادلة لا في العدد. ويلفت الرئيس بري إلى مسألة أساسية، هي أن الأكثرية أكدت في مداخلات أقطابها على طاولة الحوار وخارجها أن 99% من القرارات التي اتخذتها الحكومة كانت بالتوافق وأن الاستثناء الوحيد هو المحكمة الدولية من دون أن تلجأ أو تستقوي بأكثريتها العددية. وإذا كان هذا الأمر صحيحاً، فلماذا الخوف من الموافقة على الثلث المشارك ما دامت في غير وارد التفرّد في اتخاذ القرارات التي تتعلق بمستقبل البلد؟ ويخلص إلى القول إن امتلاك الثلث المشارك أولوية ملحّة وهو مخرج يوفّر الضمانة والاستقرار ويعطي الحكومة قوّة ومناعة في مواجهة تحديات المرحلة المقبلة وملاقاة استحقاقاتها بموقف وطني موحّد ومتماسك.
ويراهن الرئيس بري على المشاورات التي بدأها مع أركان طاولة التشاور في إطار الفسحة التي طلبها الجميع لمراجعة المواقف والحسابات والبحث عن صيغ تسويات معقولة تطرح اليوم للتداول والدرس. ورغم أن الأجواء حتى الآن لا تسمح بإعطاء جرعة تفاؤل كبيرة، غير أنها ليست مغلقة مع انتقال الحديث إلى مستوى الصيغ والمخارج التفصيلية لحكومة الوحدة الوطنية التي كلّف المتشاورون النائب ميشال المر تظهيرها، وهو بدأ بالتنسيق مع الرئيس بري مروحة اتصالات واسعة مع الأقطاب لهذه الغاية.
ويعترف الرئيس بري بأن المشكلة الرئيسة هي في الهواجس نفسها التي تنتاب الطرفين وكل طرف يطلب ضمانات لتبديد هواجسه، فالمحكمة الدولية هاجس الأكثرية وتخشى تعطيل الأقلية لها، وهي نفسها هاجس الأقلية التي تخشى أن تستعمل كأداة ضغط ومحاصرة لها، والقرار 1701 تخشى الأكثرية من الالتفاف عليه وعدم تطبيقه، والأقلية تخاف من الخروج على مضامينه وعدم التقيّد بالبنود والمهام المحددة في متنه. ويتساءل كيف يمكن بناء دولة على التشكيك وعلى الهواجس. ويستدرك قائلاً إن المطلوب الآن وأبعد من تشكيل حكومة وحدة وطنية هو إعادة بناء الثقة بين القوى السياسية، فكما الجسور تحتاج الى ترميم وإعادة بناء كذلك قنوات الاتصال والجسور بين الزعماء والقادة. وقد لاحظ المتتبعون للحياة السياسية كيف أن لقاءً اجتماعياً بين العماد عون والدكتور سمير جعجع تحوّل الى حدث سياسي يتصدّر واجهة الوسائل الإعلامية، وهذا تأكيد على أن الحياة السياسية في لبنان تعيش محنة حقيقية.
وينصح الرئيس بري الأطراف المتقابلة بالخروج من المواقف الجامدة، “إذ ليس من المقبول أن يبقى الوضع أسير الاتهامات المتبادلة، لا بد للطرفين من النزول عن الشجرة العالية، وحبال النزول وفّرتها المبادرة التي أطلقناها للتشاور والصيغة الحكومية التي يعمل على بلورتها النائب ميشال المر لتكون مقبولة من الجميع”. وإذ يحجم الرئيس بري عن الحديث عن هذه الصيغة التي يتم التنسيق بشأنها مع المر، فإن التسريبات تتحدث عن أن الخيار استقر على توسيع الحكومة إلى 26 وزيراً مناصفة بين المسلمين والمسيحيين. وبموجب هذه الصيغة سيزاد على التركيبة الحالية وزيران: كاثوليكي ودرزي، وهناك موافقة من قبل الأكثرية النيابية على تمثيل “تكتل التغيير الإصلاح” بثلاثة وزراء، بينما هو يطالب بأربعة: ماروني + أرثوذكسي + كاثوليكي + أرمني من الطاشناق. ووفق هذا الاحتساب إذا أعطي له أربعة وللشيعة خمسة وزراء يكون العدد تسعة وزراء والثلث في تركيبة الـ26 هو 8,67 وربما هذا ما عناه المر عندما أعلن أن الحل هو التوفيق بالنظرية الرقمية الحسابية، فلا أكثرية الثلثين مؤمّنة لاتخاذ القرار، ولا الثلث زائد واحد المعطّل مؤمّن، وهذا يفتح الباب أمام الجدل والنظريات القانونية حول احتساب الكسور.
في المحصّلة، بمقدار ما توحي المواقف بوجود خلافات كبيرة تبدو مستعصية على الحل فإنها توحي بالمقابل بوجود إرادة ورغبة حقيقية للتغلّب على أوجه الخلاف ومنع انزلاق الأزمة الى الشارع، لأن الفريقين متساويان في المأزق والخوف من عواقب الفشل، وستكون جلسة اليوم الدليل والمؤشر على خيارات الأطراف والطريق الذي ستسلكه الأزمة.