طارق ترشيشي
بعدما أقر الرئيس الأميركي جورج بوش بهزيمته في الانتخابات النصفية، وتدحرج رأس وزير دفاعه دونالد رامسفيلد، بدأت «قوى 14 آذار»، المتّكلة على دعمه والمراهنة عليه، المكابرة في محاولة منها لتقليل الخسائر وعدم التسليم بالظروف التي تتطور لغير مصلحتها، لكونها ستبدأ بخسارة الرعاية الاميركية المباشرة التي تحظى بها، إذ ان الادارة الاميركية «الجمهورية» ستنشغل بالاستدعاءات المتكررة للجان التحقيق في الكونغرس «الديموقراطي»، وبالتالي بوش الخاسر في الانتخابات، خسر تلقائياً الحرية التي كان يتمتع بها داخلياً، وهو سيخسر حتماً حريته في اللعب خارج الولايات المتحدة.
وفي ضوء هذا التطور الاميركي، يحاول فريق الأكثرية اللبنانية الاستفادة الآن من عامل الوقت لسببين:
الأول، التظاهر بعدم الخضوع لفترة الأسبوع التي حددتها المعارضة لحسم المواقف والخيارات على الطاولة التشاورية من موضوع تأليف حكومة الوحدة الوطنية، وبالتالي السعي الى تمديد هذه الفترة أطول وقت ممكن.
والثاني، الدخول في مساومات علَّها تستنقذ من خلالها شيئاً من مكاسبها، لأنها تعيش مأزق خسارة كل شيء، وهذا ما عبَّر عنه رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بقوله أخيراً، إنه «لم يبقَ لنا إلاَّ الحكومة».
ولذا تحاول الأكثرية تحسين شروطها على طاولة التشاور وفي كواليسها، لكي تصل الى أقرب وقت ممكن من موعد تقرير القاضي سيرج براميريتز المحقق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والمنتظر صدوره في 15 كانون الأول المقبل. علَّه يحمل في صفحاته «قارب النجاة» للسياسة الاميركية في لبنان، ولركابه من أركان فريق «14 آذار». مع العلم ان الوقائع ومسلسل زيارات الوفود والشخصيات الاميركية والأوروبية للمنطقة لا توحي بذلك.
وبعدما سقط من يد الأكثرية التهويل والتهديد بأنه إذا لم يوقّع رئيس الجمهورية العماد إميل لحود أو مجلس الوزراء اللبناني مشروع إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الحريري، فستُفرض على لبنان من دون تفاوض معه عبر قرار خاص يتخذه مجلس الأمن، سرعان ما تبين لها (أي للأكثرية) ان استصدار هذا القرار غير ممكن نتيجة الموقف الروسي، وبالتالي حتى لو أقرّ مجلس الوزراء مشروع المحكمة بموافقة أكثريته الوزارية، ففي استطاعة سوريا وايران إحباط هذه المحاولة، لا من خلال الساحة اللبنانية ولكن عبر الموقف الروسي.
وإزاء هذا الواقع تجد الأكثرية نفسها في مأزق لا تستطيع الهروب منه الى الأمام، ولا التراجع عنه الى الوراء، وفي حال بقائها في موقعها، فإنها ستتعرض لمزيد من الضربات لتشتيتها، وخصوصاً بعدما أخطأت في جعل المقامات الروحية (البطريركية المارونية ودار الفتوى) متراساً لمواقفها السياسية، ما جعل دار الفتوى موقع رماية سياسية على ساحة الطائفة السُنِّية، ودفع المفتي الدكتور محمد رشيد قباني الى ملاحقة الشائعات التي تقول بتعيين «مفت شعبي» رديف له، ويرسل الوسطاء لمنع حصول هذا التعيين، لأن أوضاع دار الفتوى تشبه الآن ما تعرض له شيخ عقل الطائفة الدرزية المعتكف بهجت غيث، الذي تسبب موقفه بأن يصبح للطائفة ثلاثة مشايخ عقل، أحدهم يدين بالولاء لجنبلاط وثانيهم يدين بالولاء للوزير السابق طلال إرسلان، وثالثهم معتكف وغير مستقيل، وهو غيث نفسه. أما البطريركية المارونية فتورطت في مواقف سياسية عبر بيانات مجلس المطارنة الموارنة الشهرية، جعلت منها فريقاً سياسياً على الساحة المسيحية، بدلاً من ان تكون مرجعية راعية.
على أنه إذا بُنيَ على ما قاله مدير الطاولة التشاورية رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس، من ان جلسة التشاور أنتجت ترميماً أو إعادة بناء ثقة، فهذا يعني ان التشاور سيؤتي ثماره في تشرين 2007، بعد انتهاء ولاية الرئيس لحود واستقالة الحكومة دستورياً عندئذ. ويبدو ان هذا ما تريده الأكثرية، فيما أوساط المعارضة تقول انها ستمدد التشاور أسبوعاً حتى عودة بري من زيارته طهران، فإذا ما بقي الفريق الأكثري على مواقفه، فستعمد عندئذ الى البقاء على حلبة التشاور، ولكن بضغط الشارع. إلاَّ ان تمديد التشاور لن يستمر الى أكثر من نهاية الأسبوع المقبل، نزولاً عند رغبة الأكثرية القائلة بأن «التمديد كارثة» وهو ما تقوله المعارضة أيضاً....