أنطوان سعد
أجرت شخصيات مسيحية "وسطية" تجد نفسها أقرب إلى بكركي منها إلى مسيحيي 14 آذار أو تكتل الإصلاح والتغيير، تقويماً لجلسات التشاور التي تعقد في مجلس النواب. ورأت أن الفاعليات المسيحية المشاركة في التشاور والوزراء المسيحيين الذين يجري التداول في أمر استبدالهم سيكونون وقوداً في النزاع الحاد الدائر محلياً بين تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، من جهة وحزب الله وحركة أمل من جهة ثانية، ودولياً بين معسكرين كبيرين، شرقي وغربي، إذا لم يحسنوا التصرف ويتعاطوا مع المرحلة الراهنة بالدقة التي تستحقها.
وأبدت هذه الشخصيات خشيتها أن يُسفر هذا النزاع عن حلّ لا يكون للفاعليات المسيحية المختلفة رأي فيه خصوصاً أن ثمة مؤشرات تدل على أن الطباخين في كلا المعسكرين لا يولون أهمية تُذكر لموقف المسيحيين المنضوين فيهما. وأشارت في الوقت نفسه إلى وجود فرصة جدية لكي يُشكّل النزاع الدائر مدخلاً لإعادة التوازن المفقود منذ نهاية الحرب اللبنانية سنة 1990 بعدما كرّس التحالف الرباعي العام الماضي تهميش المسيحيين في المعادلة الداخلية للمرة الأولى بعد تحرر لبنان من الوصاية السورية التي أضعفت الدور المسيحي في شكل منهجي وغيبته عن المعادلة. وتعتقد هذه الأوساط أن أداء اللاعبين المسيحيين الجالسين إلى طاولة التشاور هو الحاسم والمقرر: فإما يحسنون استغلال الفرصة المتاحة لتحسين المشاركة المسيحية في القرار الرسمي اللبناني، وإما يفوتونها ويزيدون حظوظ إحياء التحالف الرباعي الذي سيصبح الخيار الوحيد المتاح أمام طرفي النزاع الأساسيين فيما لو قررا التفاهم بينهما على تسوية خلافاتهما من غير النزول إلى الشارع. فهذا التحالف قام أصلاً على التفاهم بين المستقبل والاشتراكي وحزب الله وحركة أمل على مراعاة مصالح كل من الأطــــراف الأربعة حتى لا يخسر من المكتسبات المحققة في زمن الهيمنة السورية لمصلحة القوى التي عادت إلى ساحة المنافسة السياسية.
وفي اعتقاد الشخصيات المشار إليها، أن على المسيحيين المشاركين في طاولة التشاور استنباط حلول للخروج من المأزق وبالتالي عدم الاكتفاء بمناصرة هذا الفريق أو ذاك، والانتصار لهذه الفكرة أو تلك. وقد تكون نصيحة الشخصية السياسية المخضرمة التي دعت المسيحيين إلى "التأدب بآداب حصتهم من السيادة" المدخل الصحيح لاستنباط الحل المنشود الذي يفترض أن يحقق المشاركة والطمأنة لجميع الأطراف بأن مطالبهم ومصالحهم مُصانة.
وقيّمت المصادر أداء السياسيين المسيحيين ورأت أن الرئيس الأعلى لحزب الكتائب الرئيس أمين الجميل ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع إضافة إلى حزب الوطنيين الأحرار وحزب الكتلة الوطنية "يستقتلون" في الدفاع عن الحكومة التي ليس لهم فيها تأثير ملموس بدل الاكتفاء بالتأكيد على الثوابت المتعلقة بسيادة منطق الدولة والسعي لتحسين المشاركة المسيحية في المؤسسات الدستورية والإدارية.
في المقابل، تأخذ هذه الأوساط على العماد ميشال عون عدم رؤيته أو عدم رغبته في رؤية خلفيات حزب الله وحركة أمل وما يرميان إليه في اندفاعهما ضد تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي اللذين يدفعان اليوم ثمن أخطائهما المتراكمة منذ قيام التحالف الرباعي وتشكيل الحكومة مروراً بإضعاف حلفائهما المسيحيين عبر عدم إعطائهم أي تحسين للمشاركة المسيحية، وصولاً إلى رهانهام الخاطئ على الرئيس نبيه بري الذي أكد مجدداً أنه في صلب التركيبة التي تعمل على إضعاف إمساك المستقبل والاشتراكي بمفاصل السلطة الإجرائية في لبنان.
وتلفت الشخصيات المشار إليها إلى أخطاء تيار المستقبل في التعاطي مع البطريرك الماروني نصر الله صفير الذي يعتبر أيضاً أن الإشكال مع سوريا لم ينته بعد تماماً. ويشاطر هذا التيار قلقه من عودة النفوذ السوري الى لبنان. وبدلاً من أن يعمد إلى طمأنة سيد بكركي عبر اتخاذ إجراءات ملموسة لتصحيح الخلل في الإدارة العامة، استمر في التغاضي عن ذلك والإمعان في التهميش، الأمر الذي جعل البطريرك صفير يعيد موضوع فقدان المشاركة إلى واجهة أولوياته في عظاته وفي البيان الأخير لمجلس المطارنة.
وتتابع هذه الأوساط عن كثب عملية التشاور الجارية، وأجرت اتصالات بكل الأطراف المشاركة فيها. وهي ترى أن المشاورات ستوضع على نار خفيفة في انتظار عودة رئيس مجلس النواب نبيه بري من إيران وعودة العماد ميشال عون من السعودية على رغم الأجواء الملبدة التي تنذر بعاصفة كبيرة.