لماذا لبنان وحده يدفع الثمن؟
  • شيبان الجردي

    إنه السؤال المطروح الآن على الساحات اللبنانية والعربية والعالمية، والذي تتداول به الألسن في هذه الأيام.
    لبنان وحده، نعم لبنان وحده الجبهة المشتعلة في «القارة العربية».
    نعم لبنان، هذا البلد الصغير، بلد الأربعة ملايين نسمة، بلد العشرة آلاف كلم2، بلد اللاثروات، يحمل هموم الأمة كلها، ويخوض حربها بمفرده، يدافع عن كرامة الثلاث مئة مليون عربي، المنتشرين على نيّف وأحد عشر مليون كلم2، هذه المساحة الشاسعة تشرف على ثلاثة بحار ومحيطين، وتختزن أضخم الثروات البترولية في العالم، بالإضافة الى ثروات أخرى من مناجم الذهب وسواها. فقط عشرة آلاف مقاوم، ومن حزب لبناني واحد، يخوضون حرب الأمة، يقاتلون بالنيابة والوكالة القسرية عن ما ينيف عن خمسة ملايين جندي عربي، مدججين بالسلاح، مخدرين على آلتهم الحربية الصامتة.
    لماذا لبنان؟ لأن الأمة في غفلة، غارقة في سبات عميق، وهي بحاجة إلى بطل يوقظها. ولبنان الذي رفض واقع أمته المعيب، انتفض وأراد أن يكون منقذها، ففجر القنبلة ليوقظها ويحلّ خدر الأنظمة والقادة المجمّدين على كراسيهم كالأصنام الخرساء، ويحرك عقولهم الجامدة، ويفك قيودهم المهينة ويحفز الأحرار الرافضين لهذه القيود والأغلال، ويقول بصوت مدوّ إن حزباً صغيراً واحداً، وقلة من المقاومين الذين يملكون إرادة القتال، مزقوا جيش العدو وهزموه، فانكفأ خائباً ذليلاً، فكيف لو احتشدت قوى الأمة كلها، وزحفت للتحرير، فهل سيصمد هذا الجيش إلا لساعات معدودات؟
    لماذا؟ لأن لبنان رفض أن يكون تابعاً منصاعاً لمشاريع الذل والهوان والهزيمة والاستسلام، بل قرر أن يكون رائداً في الإعداد والمقاومة والتضحية والصمود التي هي مقدمة للنصر والتحرير.
    لماذا؟ ليقول للزاحفين المستسلمين المذعورين: «كلّا عدونا قابل للتقهقر والانهزام». ويقول للمؤمنين المقاومين الشرفاء: «بلى أمتنا قادرة على المقاومة والمواجهة والتحرير وتحقيق النصر المبين».
    لماذا؟ ليذكّر الغافلين والمغفّلين والمتاجرين بأنهم أحياء يرزقون، وبأن لأمتهم قضية تاريخية، وبأن ثمة عدواً اغتصب قطعة عزيزة من أرضها عام 1948 وما زال جاثياً عليها، واحتلّ أجزاء أخرى عام 1967 وكذلك عام 1982 وما يزال يحتل جزءاً منها، وعليها واجب مقاتلته ودحره عن كامل ترابها العزيز، وهي تملك الطاقات البشرية والمادية التي تفوق العدو أضعافاً مضاعفة، ولا ينقصها سوى الإرادة والإرادة فقط. لماذا لبنان؟ لأن الدماء العربية الأصيلة تتدفق في شرايينه، والكرامة تغلي في عروقه.
    لماذا لبنان؟ لأنه وطن القادة التاريخيين، وطن فخر الدين وكمال جنبلاط، وشكيب وعادل إرسلان، وأنطون سعادة وموسى الصدر وحسن نصر الله.
    لماذا لبنان؟ لأنه بلد المقاومة والممانعة والرجال الشرفاء.
    لماذا لبنان؟ لأنه آمن بأن قوته في مقاومته وممانعته، لا في ضعفه وخنوعه، فعرف عدوه ودرسه، وعرف نفسه فأعدّها للمواجهة والانتصار.
    لماذا لبنان؟ لأنه عرف كيف يقرأ التاريخ، وعرف كيف يعيد كتابته بدماء البطولة والعزة والإباء والكرامة التي تتدفق في عروق أبنائه البررة ورجاله الميامين.
    لماذا لبنان؟ لأنه طوى بسواعد أبطاله عصر الهزيمة والاستسلام، وأرسى قواعد إرادة المقاومة والمواجهة وصناعة النصر.
    لماذا لبنان؟ لأنه نزع القناع الكرتوني ومزقه عن وجه الجيش الإسرائيلي «الذي لا يقهر»، ليظهر حقيقته الهشة المتصدعة، القابلة للتقهقر والهزيمة أمام أحرار الأمة ورجالها.
    لهذه الأسباب يدفع لبنان وحده ثمن الصراع العربي الإسرائيلي، ويضحي في ساحته، بدماء نخبه المناضله المقاومة، ودماء عائلاته وأسَره، وكباره وأطفاله. وهكذا فهو يصنع النصر تلو الآخر، ويقدم مقاومته البطلة مثالاً يحتذى لتكون نواة جيش الأمة القادر على المواجهة والتحرير.
    لذا، يتحتم علينا إعادة صياغة السؤال من جديد فنقول: «لماذا تقبل شعوب الأمة وترتضي على نفسها، بأن يحتكر لبنان، هذا البلد الصغير، مجد هذه الأمة العظيمة، وشرفها وعزتها وكرامتها، ولم تتحرك بعد، لتشارك في صناعة هذا الفخر وهذا المجد وهذه العزة وهذه الكرامة؟ وهنا أتوجه بسؤال آخر لمن يبكي ويحزن ويتألم على لبنان لأنه يدفع هذا الثمن فأقول:
    هل نبكي ونحزن ونتألم لأننا أبطال؟
    هل نبكي ونحزن ونتألم لأننا نختصر مجد الأمة وشرفها وعزتها وكرامتها؟

    باحث في السياسة والتربية وعلم الاجتماع