strong>عمر نشابة - حسن عليق
شرح أمس فريق من خبراء وأكاديميين فرنسيين عدم قانونية الاستمرار في سجن المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد الذي اعتقل منذ 30 آب 2005 بناءً على توصية ديتلف ميليس الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري

«تلقى اللواء جميل السيد خمسة عروض من لجنة التحقيق الدولية لإلصاق التهمة بشخص ما في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري». بهذه العبارة، وجه المحامي الفرنسي أنطوان قرقماز «اتهاماً» للجنة التحقيق الدولية، عندما كانت برئاسة ديتليف ميليس. أعاد هذا «الاتهام» إلى الأذهان ما كان قد قام به ميليس، في قضية تفجير ملهى «لابيل ديسكو» عام 1986، عندما كان مدعياً عاماً لمدينة برلين وعرض يومها على أحد المشتبه بهم، الدبلوماسي الليبي مصباح التير، صفقة قوامها الحرية مقابل الاعتراف. ورفضت المحكمة لاحقاً «اعتراف» الدبلوماسي بسبب الصفقة المذكورة وحصل جدل واسع بين ميليس والمحكمة أخّر مجريات العدالة.
الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر أمس عقد في فندق شيراتون كورال بيتش مؤتمراً صحافياً أكد المحامي قرقماز خلاله «رفض السيد عروض اللجنة، و كان هذا الرفض، سبب اعتقاله، وسبب الاستمرار به». وتحدّث خلال المؤتمر أيضاً المحامي الدكتور جيرو دو لا براديل والدكتورة رافاييل ميزون، ووكيل السيد المحامي أكرم عازوري، وجلس معهم على المنصة المحامي مالك جميل السيد، وضمّ الحضور محامين وإعلاميين وخبراء قانونيين اضافة الى أفراد عائلة السيد.
لم يعتبر المحامون خلال المؤتمر الصحافي موكلهم متهماً أو مشتبهاً به لعدم توافر «أي أدلة ضده عند القضاء اللبناني، الذي، حسب المادة السابعة من مذكرة التفاهم، من المفترض أن يكون قد تسلم كل نتائج التحقيقات من لجنة التحقيق الدولية». هذا الأمر أكّده الرئيس الحالي للجنة التحقيق سيرج براميرتس، شفهياً قبل يومين عند لقاء الخبراء الفرنسيين به، وقال قرقماز إن حقوق موكلهم غير مصونة، وإن «المحكمة الدولية ستعيد له حقوقه المسلوبة حالياً».
strong>«عروض» غير قانونية
تحدث قرقماز عما سمّاه «عروضاً تلقاها اللواء جميل السيد من مساعد رئيس اللجنة السابق، المحقق الألماني غيرهارد ليمان». وأضاف أن ليمان عرض على السيد تسمية شخص ما كمتورط في اغتيال الحريري، مقابل أن يبقى السيد بعيداً عن التحقيق، وأن بعض هذه العروض تضمن «تهديداً» للسيد. أول هذه العروض كان في تاريخ 31 أيار 2005، حيث أبلغ ملحق بسفارة أوروبية السيد أن أعضاءً من لجنة التحقيق الدولية يودون مقابلته سراً. فوافق السيد، وفي اليوم التالي، زاره في منزله أعضاء من اللجنة برئاسة ليمان وبحضور الملحق الأوروبي. وطلب ليمان من السيد إبقاء اللقاء طيّ الكتمان، وقال إن الحاضرين، بالاضافة إلى ميليس، هم الوحيدون الذين من المفترض بهم معرفة هذا الأمر. وكرر ليمان عرضه في تاريخ 2 حزيران 2005، و15 آب من العام نفسه. تفاصيل أحد العروض، بحسب قرقماز، هي أن ليمان قال للسيد: «لقد قتل الحريري نتيجة مؤامرة شارك فيها السوريون، أو أن بعضهم متورط، وأنت لديك مستقبل، ولديك معلومات، وإذا لم تقف إلى جانبنا، فستكون أنت الضحية». فأجاب السيد: «انا في خدمتكم بما لديّ من خبرة ومعلومات ومعرفة بالأشخاص والأجهزة، ولكنكم تريدون مني أن أقدّم ضحية، ولا أستطيع أن أقوم بذلك». أجابه ليمان: «لا تتسرع، خذ أسبوعاً للتفكير وإلا فستكون أنت الضحية». وتكرّر هذا العرض عبر اتصالات هاتفية، كان آخرها بتاريخ 21 آب 2005، قبل أن يوقف السيد مع الضباط الآخرين، بتاريخ 30 آب 2005 عند الساعة الخامسة والنصف فجراً، بناءً على توصية صادرة عن ميليس. وخضع السيد يومها للتحقيق حتى منتصف الليل، وطرح عليه حوالى 800 سؤال دون حضور موكله. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد اذ أعاد ليمان العرض على السيد بحضور ميليس هذه المرة، قائلاً: «هذه فرصتك، أنقذ نفسك، وإلا فستبقى في السجن مدة طويلة». وتكرر العرض نفسه في الأول من أيلول، بوجود المحامي أكرم عازوري.
تحرّك الدفاع
تابع المحامي قرقماز حديثه عن العيوب القانونية في قضية موكله، وعن حرمانه حقوقه. فالتوقيف تم بإيعاز من لجنة التحقيق الدولية، وهي غير ذات صلاحية، إذ لم تعط اللجنة هذه الصلاحية لا في قرارات مجلس الامن ولا في مذكرة التفاهم. وختم قرقماز مداخلته بالقول إن مذكرة التوقيف اللبنانية الصادرة بعد أربعة أيام من توقيفه لدى لجنة التحقيق الدولية، «كانت غطاءً قضائياً ألبسَ السيد ثوبَ السجين، بالرغم من كون الاخير معتقلاً سياسياً».
وخلال الاجابة عن أسئلة الصحافيين، ذكر المحامي أكرم عازوري، أن فريق الدفاع سيعقد مؤتمراً صحافياً يكشف فيه تفاصيل إضافية عن العروض التي قدّمت لموكله، بغض النظر عما ستؤول إليه الأمور، وذلك حرصاً على سلامة التحقيق وعلى حقوق المواطنين ونظام العدالة. وأضاف أن فريق الدفاع سيسعى لمقاضاة ميليس وفريق عمله، ولكن المانع لهذا الأمر حالياً هو تمتع أعضاء اللجنة بحصانة من قبل الأمم المتحدة مثبتة في مذكرة التفاهم مع الحكومة اللبنانية، وهذا ما دفع عازوري سابقاً إلى مطالبة رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء بتعديل المذكرة ورفع الحصانة عن العاملين في اللجنة (راجع «الأخبار» عدد 8/11/2006).
ولفت عازوري إلى أن فريق الدفاع عن السيد كان عاجزاً، لفترة طويلة، لأن لجنة التحقيق الدولية لم تجب عن الرسائل والمذكرات التي رفعها لهذه اللجنة. ولمّح إلى إمكان تقديم شكاوى ضد الشهود والمشهرين في لبنان أو في الدول التي يحملون جنسيتها.
ومن جهته، قال المحامي دو لا براديل إن المحكمة الدولية قد لا ترى النور قريباً، وان وضع السيد معلق حالياً بين المحكمة ولجنة التحقيق. واعتبر أن هذا الامر يعد خرقاً للقانون ومبادئ العدالة.
أما المحامية رافاييل ميزون، فقد رأت أن اجتهادات المحاكم الدولية السابقة (في رواندا ويوغوسلافيا) تقضي بعدم جواز امتداد فترة الاحتجاز أكثر من تسعين يوماً، مكررة كلام زملائها على عدم وجود اتهامات أو أدلة ثابتة، وبالتالي لا يجوز انتظار المحكمة الدولية. وأضافت أن السيد «أسير الفراغ في الوقت الحالي»، فالقضاء اللبناني يرفض الإفراج عنه لأسباب غير قانونية ولا أحد يعلم تاريخ تشكيل المحكمة الدولية. وقال عازوري إن عدم إمكانية «طعن أو استئناف» قرار قاضي التحقيق باستمرار التوقيف أمر غير متناسب مع المعايير الدولية للعدالة. واستغرب بالتالي دو لا براديل اعتماد القانون اللبناني مرجعية لجنة التحقيق.
«العالم بالمقلوب»
وفي حديث خاص لـ«الأخبار» أعرب الخبراء الفرنسيون عن صدمتهم جراء «الوقاحة بخرق القوانين الدولية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية» الذي كان لبنان قد وقع عليه. ورأوا ان الخروقات القانونية في قضية موكلهم تتخطى العبثية (Au delà de l’absurde). وفي ما يخص العروض التي تلقاها السيد من أعضاء في لجنة التحقيق، قال المحامون الفرنسيون إن هذه العروض لم تكن تكتيكاً تحقيقياً للإيقاع بالسيد بل كانت عروضاً جدية، موضحين أنها «لم تتضمن الاشارة إلى أي شخص محدد، لكن ليمان طلب منه «توريط» شخص على الارجح انه أعلى رتبة من اللواء السيد». وعلَّق المحامون على الإجراءات المتبعة في التحقيق بجريمة اغتيال الرئيس الحريري قائلين إنها توحي بأن «العالم بالمقلوب».