فداء عيتاني
لم يمر وقت طويل على استقالة الوزراء الشيعة الخمسة، حتى تسأل أحد نواب تيار «المستقبل»: «أين أصبح التفاؤل الذي كان لديكم بالأمس؟»، فيجيب: «تبدد». يمكن القول إن قصر قريطم لم ينم قبل ساعات الفجر الأولى في اليومين الماضيين، كان سيده نشطاً، يتابع كل التفاصيل، وزواره يسمعون منه الكلام نفسه الذي ردده على طاولة التشاور.
إلى وقت قريب لم يصدق نواب تيار «المستقبل» أن «حزب الله» وحلفاءه مستعدون للنزول إلى الشارع، كانوا يرون أن «الحزب» يصعّد لفظياً، وأن «التيار الوطني الحر» لن يشارك في أية حركة على الأرض، وأن الضغط سياسي، ولن تبلغ الأمور حد استقالة الوزراء الشيعة. واليوم باتوا ينظرون بجدية أكبر إلى احتمال استقالة نواب المعارضة من البرلمان. إلا أن من كان يجالس سعد الحريري منذ لحظات يخبرك أنه «في حال استقالوا من البرلمان فإن الأمر لن يتعدى حصول انتخابات فرعية».
باختصار قريطم مشغولة بجمع المعلومات والتفكير: كيف من هنا وإلى أين؟
«لا تراجع ولا تسوية حول المحكمة الدولية، وكل مرة يطرح الموضوع ينسحبون (الوزراء الشيعة) من الحكومة» يقول أحد قياديي تيار «المستقبل» من داخل قصر قريطم، «التعديل أيضاً غير وارد، إلا إذا كان يصب في مصلحة اكتشاف قتلة رفيق الحريري، ومشروع المحكمة ذات الطابع الدولي أكثر تطوراً من القوانين اللبنانية». ولكن ما هي الخطوات التالية الميدانية؟
يثير احتمال احتلال المعارضة ساحة الشهداء المخاوف، سيكون ضريح رفيق الحريري إذاً تحت قبضتهم، «من سيصدق أنهم لن يمسوا الضريح؟ سيشعل ذلك الشارع السني، ليس في لبنان فحسب» يقول، واحتمال احتلال خيمة الحرية ليلاً أيضاً يطرح المخاوف نفسها، ونزول المعارضة إلى الجزء الأعلى من ساحة الشهداء سيعني مباشرة الاحتكاك بتجمع الأكثرية الذي بدأ يتشكل بأعداد صغيرة قرب الضريح.
«ماذا سيفعلون إذا استقالوا واستمرت الحكومة في القيام بأعمالها؟ هل سينزلون الى جلسة الاثنين؟ والحكومة تعد نفسها للصمود، الى حين اقرار مشروع المحكمة الدولية، سيمر المشروع عبر البرلمان، وحتى لو لم يوقعه رئيس الجمهورية. بعد أن تنقضي مهلة الرئيس الدستورية للاعتراض عليه».
يسأل القيادي: «كيف يمكن اسقاط حكومة فؤاد السنيورة في الشارع؟ طبعاً يتخوف من حصول اعمال عنف دموية ولو في شكل محدود، فمن سيمكنه منع مؤيدين لنا من القيام برد فعل دموي على فعل دموي؟ لا «حزب الله» يمكنه الإمساك بالأزقة كلها ولا نحن أيضاً، ثم نحن نتخوف من أعمال جماعة سوريا في لبنان، وردود الفعل ستكون وبالاً على الجميع».
يقرأ الساهرون في قريطم السياسة من باب آخر، يبتعدون قليلاً عن لبنان، يربطون اتصالاً أجراه الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد بالرئيس السوري بشار الاسد، سبق تقديم الوزراء الشيعة استقالتهم من الحكومة، يبدون ارتياحهم الى بيان الاستقالة الهادئ، ويرون ان الرئيس نبيه بري يمكنه اعادة الوزراء الشيعة الى الحكومة ربما يوم الاربعاء، او على الاقل ايجاد صيغة لتسوية ما. يسألون بإصرار: «هل سيستخدم «حزب الله» سلاحه في الداخل؟ هل يمكن ان ينجر الى عمليات اطلاق نار او عنف؟ هل سيتحمل التعرض لاطلاق النار من قبل القوى الامنية؟ هل سيصمت في حال وقوع ضحايا بين صفوفه جراء التظاهرات؟».
لا تنتهي الاسئلة في قريطم، ويكثر الحديث عن ان صيغة التحالف الرباعي كانت قابلة للحياة والاستمرار لولا... النيات، ويصر الساهرون على ان «حزب الله» ذهب نحو العماد ميشال عون قبل سقوط التحالف الرباعي، مع اغتيال جبران تويني وانسحاب الوزراء الشيعة الأول من الحكومة، ويتحدثون عن أن إصرار الحزب على الحصول على الثلث المعطل لا معنى آخر له إلا تعطيل المحكمة الدولية، «لا مجال للثقة بعد، كل مرة تطرح المحكمة الدولية نجد رد الفعل نفسه، لو كانوا يملكون الثلث المعطل فماذا تتوقع ان يكون موقفهم من مشروع المحكمة اليوم؟ من دون الثلث المعطل انسحبوا، معه اين كانوا سيقفون؟».
شعار «لا مساومة على دم رفيق الحريري» اصبح يعني كل شيء في سبيل اقرار مشروع المحكمة الدولية، «ومن سيستفيد اذا مرت المحكمة تحت البند السابع في الامم المتحدة؟» يسأل القيادي في «المستقبل»، الحكومة ستصمد مهما كان ضغط الشارع، وإن كان الشارع لم يعد في نظر قريطم تهويلاً بعد اليوم.