إبراهيم عوض

دمشق: كلام السنيورة على تفاهم سوري ــ روسي بشأن المحكمة «غير دقيق»

ليست هي المرة الاولى التي يغضب فيها الرئيس نبيه بري من موقف للرئيس فؤاد السنيورة يراه مضراً بالجهود التي تبذل لإنقاذ الوطن. فأمس فوجئ «مدير التشاور» وهو يحاول أن يهدئ من فورة المتشاورين المختلفين بشأن كيفية التعاطي مع مشروع المحكمة الدولية بتبلغه قرار رئيس الحكومة المفاجئ عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء اليوم لإقرار المشروع. وقبل ذلك يتحدث بري باستياء عن تجاهل السنيورة الدعوة التي حملها له من الرئيس بشار الأسد لزيارة دمشق من دون جدول أعمال. ومن مرحلة الحرب الاسرائيلية على لبنان يحمل رئيس البرلمان في جعبته عدداً من المآخذ على أداء رئيس الحكومة التي ظهرت في شريط التفاوض مع الوفود الدولية عموماً، ومع المسؤولين الأميركيين خصوصاً.
وتذكّر أوساط قريبة من بري هنا بما سمعته في تلك الفترة غير مرة من سيد «عين التينة» عن وجود تناقض كبير بين ما يتبلغه هذا الموفد أو ذاك في كل من مقري الرئاستين الثانية والثالثة، لدرجة أن ما يُتفق عليه هنا ينسف هناك. وتقول هذه الاوساط إن لدى رئيس المجلس الكثير مما يقوله في هذا الخصوص والذي يسقط الشعر عن الرؤوس، لكنه آثر عدم البوح بها حتى لا يزيد الامور تعقيداً.
وبالعودة الى «الغضب الطازج» من بري على السنيورة بشأن المحكمة الدولية، فإن الاول ما فتئ يردد أن ما من احد ضد مبدأ انشاء المحكمة الدولية، لكن لا بد من مناقشة نظامها ودراسة بنودها. وهو عاد وأكد هذا التوجه في جلسة التشاور الأخيرة حين رفض اتهام الاكثرية للمعارضة بأن طرح حكومة الوحدة الوطنية هو التفاف على المحكمة الدولية، مشيراً الى أنه سبق للجميع ان اعلنوا على طاولة الحوار موافقتهم عليها «لكن من حقنا مناقشة التفاصيل».
هذه العبارة أثارت حفيظة كل من رئيس كتلة «تيار المستقبل» النيابية سعد الحريري ورئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميل اللذين قالا إن «الشيطان يكمن في التفاصيل»، كما ذهب الجميل أبعد من ذلك بقوله في حديث اذاعي امس، إن الرئيس بري «مغلوب على أمره» في محاولة منه للإبقاء على «نظرية الفصل» بين مواقف رئيس المجلس وقيادة «حزب الله» التي طالما سوّقت لها قوى 14 آذار منذ سقوط التحالف الرباعي، وظهر بطلانها مجدداً في التصريح الذي ادلى به بري من طهران أمس. وما لم تفلح فيه قوى الاكثرية في إقناع خصومها بإقرار مشروع المحكمة الدولية بسرعة و«عالعمياني» كما قال وزير الطاقة والمياه محمد فنيش لـ«الأخبار»، فإن الرئيس السنيورة بدا بدوره على عجلة من أمره، إذ حاول اقناع رئيس الجمهورية العماد اميل لحود بحضور الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء لإقرار المشروع من باب «ان الروس تكلموا مع السوريين... وماشي الحال»، وهو الأمر الذي اغضب لحود الذي شدّد على رفضه حضور الجلسة قائلاً لمحدثه: «ما يعنيني هو لبنان».
وفي هذا الإطار، استغرب وزير الإعلام السوري الدكتور محسن بلال ما نقل عن لسان السنيورة ولم ينفه مكتبه الإعلامي في شأن حصول تفاهم بين موسكو ودمشق على المحكمة الدولية، وقال لـ«الأخبار» إن كلام رئيس الحكومة اللبنانية في هذا الخصوص «غير دقيق». كذلك نفى مصدر سوري مسؤول لـ«الأخبار» ما أوردته مجلة «ايكونوميست» في تقرير لها أمس بالتزامن مع «العاصفة السياسية» التي احدثتها المحكمة الدولية، من أن الرئيس الأسد خلال لقائه الأخير ومستشار رئيس الحكومة البريطانية أعرب عن استعداده للانسحاب من تحالفه مع ايران مقابل تحقيق أربعة أهداف، بينها وقف الأمم المتحدة تحقيقها في دور سوريا في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقال المصدر السوري لـ«الأخبار» إن كل ما ورد في هذا التقرير «عارٍ من الصحة تماماً».
من جهته، ابدى الرئيس سليم الحص تخوفه مما وصلت اليه الأمور في لبنان، وكشف لـ«الأخبار» انه كلف فريقاً من القانونيين دراسة مشروع المحكمة الدولية، لافتاً الى وجود بندين على جانب من الخطورة ينبغي التوقف عندهما يتعلقان بتحديد علاقة الرئيس بالمرؤوس، حيث تنسحب التهمة على الاول إذا وُجهت الى الثاني، كما يتيح المشروع محاكمة الرئيس غيابياً نظراً للحصانة التي يتمتع بها، وهو ما يعني عدم وجود ضابط لمثل هذه الاتهامات. وفيما أكد الحص أحقية الوزراء في مناقشة المشروع قبل الموافقة عليه، حذّر من وجود اتجاه لدى بعض فريق الأكثرية بتصويره على انه قرار صادر عن مجلس الأمن لا تصح بالتالي مناقشته في مجلس الوزراء، وهكذا يصار الى إقراره. كذلك نبّه الحص الى أن قرارات الشرعية الدولية لا تلغي الانحياز الاميركي لإسرائيل، وآخر دليل على ذلك فشلها في ادانة المجازر الاسرائيلية التي ارتكبتها في بيت حانون والخضوع للفيتو الاميركي. وقد اضاف أحد الوزراء المستقيلين الى كلام الحص تساؤله عمن يضمن عدم وجود قاضٍ في فريق المحكمة الدولية على طراز تيري رود لارسن الذي يتقن تشويه الوقائع.
وقد أجرى الحص اتصالات صباح امس بكل من الرئيس عمر كرامي، والرئيس نجيب ميقاتي الموجود خارج لبنان، وبحث معهما في التطورات السياسية وجرى الاتفاق على توجيه نداء مشترك ناشدوا فيه الرئيس السنيورة «التعاطي مع الواقع المستجد بمنتهى الحكمة قطعاً للطريق امام تدهور في الوضع السياسي ينذر بأوخم العواقب لا قدّر الله».
وذكّر النداء بنصّ في مقدمة الدستور اللبناني يقضي بأنه «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك».
وجاء في النداء أيضاً: «إن الحكم في لبنان بلغ وضعاً أضحت فيه السلطة لا تتوافق وميثاق العيش المشترك. ولا معنى قانونياً أو دستورياً لرفض استقالة وزير، مع ذلك فنحن نرحب بإعلان الرئيس فؤاد السنيورة رفضه استقالة الوزراء، ونفهم من هذا الكلام استعداداً من رئيس الحكومة لتعليق اجتماعات مجلس الوزراء ريثما يتم التفاهم، داخل اللقاء التشاوري، على صيغ وفاقية بالنسبة إلى مواضيع الحوار تصون الوحدة الوطنية وتضمن وحدة الحكم وبالتالي مقتضيات ميثاق العيش المشترك، وذلك ضنّاً بسلامة المصير الوطني». ورأى النداء أن «الكل مسؤول عن استمرار الأزمة المستحكمة التي باتت تهدد الشعب في وحدته ومصيره. أمّا المسؤولون عن إيجاد الحلّ المنشود، فهم في المقام الأول المشاركون في مؤتمر الحوار ثم في اللقاء التشاوري، وهم الذين اختارتهم إرادة عليا، لسوء الطالع، ليكون قرار المصير الوطني حكراً عليهم».