الضنّية ـــ عبد الكافي الصمد
تَكثُر مشاهِد الشاحنات الصغيرة والمتوسطة العائدة من المناطق الحرجية المترامية في أنحاء الضنية، وهي مُحمّلة بجذوع الأشجار بهدف استخدامها إمّا للتدفئة أو لصناعة الفحم. وذلك في ظلّ عمليات كرّ وفرّ تدور بين مأموري الأحراج والمعتدين عليها، ووسط جدال يحتدم بين دُعاة الحفاظ على الثروة الحرجية في المنطقة، ومن يلفتون النظر الى ضرورة المواءمة بين الحفاظ على البيئة وتأمين حاجات المواطنين.
رئيس دائرة التنمية الريفية في مصلحة الزراعة في الشمال غازي الكسّار، لفت إلى أنّ الدائرة «تُعطي رُخَصاً لاستثمار الأحراج والغابات في الشمال، ضمن الأطر القانونية، وخصوصاً رُخص قطف الصنوبر المثمر، وتشحيل اليباس من الأشجار الحرجية، وصناعة الفحم، واستصلاح الأراضي الزراعية، وغيرها».
وأشار الكسّار الى أنّ «قانون الغابات يسمح باستثمار الغابات والأحراج ضمن مُهلٍ قانونية، تبدأ بالنسبة إلى التشحيل من 15 أيلول ولغاية 14 نيسان، وتبدأ بالنسبة إلى صناعة الفحم من أول شهر تشرين الثاني، وتمتد حتى نهاية شهر حزيران».
وأوضح الكسّار أنّ «هذه الرخص لا يمكن رفضها، إذا كانت الشروط القانونية متوافرة فيها، وهي: صيانة التربة وحمايتها من الانجراف، عدم التعرض بضرر لينابيع ومصادر المياه، عدم الاقتراب من الأشجار الموجودة على ضفاف الأنهر والسواقي، حماية التلال وعدم السماح بالاقتراب منها، حماية الصحّة العامة، وعدم الإضرار بالمناظر الطبيعية من الناحيتين البيئية والسياحية».
لكنّ تجاوزات كثيرة تحصل، إنْ بالنسبة إلى تجاوز ما هو مُقرر في الرخص المُعطاة، أو إلى ناحية عمل بعض الحطّابين والمزارعين وتجّار الفحم بلا رُخَص، وخصوصاً خلال أشهر فصل الشتاء. الأمر الذي يُفسّر تسطير 13 محضر ضبط خلال شهر أيلول الماضي بحقّ مخالفين، من قبل مأموري مركزي أحراج سير ونهر موسى. واللافت أنّ غالبية المخالفات ارتُكبت في المنطقة الوعرة البعيدة عن الأنظار، الواقعة بين قضاءي الضنية وعكار عند منبع نهر موسى، في سابقة غير معهودة بالنسبة إلى منطقة كانت تشهد في السابق أقل نسبة مخالفات على هذا الصعيد.
وتعود نسبة ارتفاع التعدّيات على الأحراج في الضنّية، إلى كونها تضم، تقريباً، أكبر رقعة من «الغطاء الأخضر» بين كل المناطق الشمالية، الأمر الذي جعلها هدفاً مهماً لتجّار الحطب والفحم والرعاة، إنْ من المنطقة أو من خارجها، وتحديداً من جوارها الأقرب في عكّار والهرمل وبشري.
رئيس بلدية عاصون معتصم عبد القادر أشار إلى أنّ «التعدّيات على الأحراج في المنطقة لا تتجاوز سعي بعض أبناء المنطقة إلى قطع عدد من الأشجار اليابسة في محيط أراضيهم الزراعية لتأمين حاجاتهم من الحطب من أجل التدفئة في فصل الشتاء». وشدّد على أنّ «الحفاظ على الأراضي الحرجية في الضنّية يتطلب بالدرجة الأولى إقدام الحكومة على خفض أسعار المازوت، والغاز، والكهرباء».
من ناحيته، لفت رئيس جمعية أنصار البيئة في الضنّية محمد عبد الجواد فتفت الى أنّ «الوعي البيئي في المنطقة يزداد نتيجة عدة عوامل، وأنّ نسبة التعدّيات على الأحراج تتراجع سنوياً، فضلاً عن حملات التشجير والنشاطات البيئية التي تقوم بها البلديات والجمعيات المعنية في الضنّية». إلا أنّ فتفت ركّز على «ضرورة دعم مركزي أحراج سير ونهر موسى بالمعدات والعناصر، وتطبيق القانون على المحميتين الموجودتين في المنطقة: محمية جرد النجاص ـــ جبل الأربعين، ومحمية جرد مربّين ـــ وادي جهنّم، فضلاً عن تحويل القرار بإنشاء المحميتين الى قانون بهدف الحفاظ عليهما».
وتفيد معلومات «أطلس لبنان الزراعي»، الذي صدر عام 2001 في إطار مشروع الإحصاء الزراعي الشامل المُموّل من الحكومة اللبنانية، والبنك الدولي، ومنظمة «الفاو»، أنّ مجموع المساحات الحرجية في الشمال يبلغ 61400 هكتاراً من أصل 258605 هكتارات على صعيد لبنان، أي ما نسبته نحو 24 في المئة من المساحة الإجمالية. وعلى صعيد الضنّية، فقد بلغ مجموع المساحات الحرجية فيها 13932 هكتارا، أي نحو 38 في المئة من مساحة المنطقة، الأمر الذي يجعلها واحدة من أغنى مناطق الشمال ولبنان في هذا المجال.