حسن عليق ــ ليلى رمال
هل تنقل حال الفراق السياسي التي يعيشها لبنان المواجهة السياسية إلى الشارع؟ من يضمن حق المواطن اللبناني بالتعبير الحر؟ المعارضة تبدو مصرة على التغيير ومتمسكة بحقها في التظاهر. في المقابل، تهدد القوى الحاكمة بالمواجهة «حيث همْ في الشارع» كما قال النائب وليد جنبلاط في اجتماع «قوى 14 آذار» الأخير في قريطم

كانت فكرة اللجوء إلى الشارع للمطالبة بتحقيق الأهداف تبدو، حتى فترة ليست ببعيدة، غير مجدية. ونادراً ما كانت تمر من دون اشتباك مع القوى الأمنية وعناصر المخابرات وزج بعض المعتصمين في السجون. ويُعَدُّ ناشطو التيار الوطني الحر أول من أعاد استخدام هذا الاسلوب في التعبير محلياً، الذي لم يكتسب أهميته في تحديد موازين القوى والأحجام التمثيلية الشعبية إلا بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري بتاريخ 14 شباط 2005.
التجمع الشعبي الأول جرى في وسط بيروت بعد مرور أسبوع واحد على استشهاد الحريري، للمطالبة باستقالة حكومة الرئيس عمر كرامي وانسحاب القوات السورية من لبنان، بالإضافة إلى تأليف لجنة تحقيق دولية.
أما المحطة الثانية، فكانت في 28 شباط، حين أطاحت «سلطة الشارع» حكومة الرئيس كرامي بعد أن تدفق آلاف المواطنين إلى وسط بيروت، رغم قرار وزارة الداخلية منع التظاهر. بدا واضحاً حينها تساهل القوى الأمنية وعناصر الجيش مع الحشود، وتظاهرهم بالعجز عن صدِّ الأعداد الكبيرة من المواطنين.
ومنذ ذلك التاريخ، بات الشارع الوسيلة الفضلى للتعبير السياسي في لبنان، فكانت التظاهرة الحاشدة تحت عنوان «الوفاء لسورية» في 8 آذار، في ساحة رياض الصلح، بدعوة من حزب الله وحلفائه. بعد ستة أيام، على بعد أمتار من مكان الحشد الأول، وفي مقابل ساحة رياض الصلح، تجمع مؤيدو المعارضة في ساحة الشهداء، وبشعار مختلف: «يوم الوفاء لرفيق الحريري». ولم يكن المشهدان مختلفين في كثير من عمومياتهما: مئات الآلاف والحشد الأكبر في تاريخ لبنان.
بعد هاتين التظاهرتين، باتت الساحتان متواجهتين، وسميت القوى السياسية باسميهما، وأصبح الشارع هو المكان الذي يحدد الأحجام والموازين لدى القوى السياسية المتنازعة على السلطة والنفوذ في لبنان.
التحركات الشعبية خلال العام 2005، على الرغم من الأجواء المتشنجة التي رافقتها، تمت في غياب الإشكالات الأمنية، أو المواجهات، بين المواطنين.
مع تلويح المعارضة حالياً بإمكان اللجوء إلى الشارع من أجل تعديل حكومة الرئيس السنيورة أو اسقاطها، لفت الحديث المتكرر لأركان ورموز «14 آذار» عن إدخال التظاهر «البلد في المجهول»، وعن إشكالات أمنية من الممكن أن تحدث. وأخيراً، أطلق النائب أكرم شهيب تصريحه الشهير عن أن «الرصاصة لن تقابَل بوردة». هذا الحديث عن الرصاص والورد رده المسؤول السياسي للتيار الوطني الحر جبران باسيل إلى معرفة القوى الحاكمة أن التظاهر لن يكون من مصلحتها. وأضاف في حديث إلى «الأخبار» إن «في الفترات المصيرية يعود كل طرف سياسي إلى أصله، فكل إناء ينضح بما فيه. وفي تاريخنا تظاهر حضاري سلمي، ولا يمكن أن نتغير». وأضاف باسيل إن «تصريحات قوى الأكثرية عن الشارع مقابل الشارع تدل على أن هذه القوى لا تزال تتصرف كأنها معارضة، في حين أنها هي الحاكمة ولا يوجد ما يبرر لها اللجوء للتظاهر، بالرغم من كونه حقاً لها». هذا الحق يراه باسيل مقدساً بكفالة الدستور، وإذا قررت المعارضة التحرك في الشارع، فلن يكون هناك ما يمنعها من ذلك. وذكّر باسيل بقرارات منع التظاهر التي كانت تصدرها «سلطة الوصاية السورية، التي اعتقدنا أننا ارتحنا من أساليبها التي عادت السلطة لاستخدامها الآن»، مضيفاً: «لسنا هواة تظاهر، نريد للناس أن يرتاحوا، ولكن فليعطونا حقوقنا بالمشاركة». وعن إمكان الحل السياسي من أجل إبعاد خيار الشارع، قال باسيل إن الحلول دائماً ممكنة.
من جهته، رأى وزير العدل الأسبق النائب بهيج طبارة أن الدستور اللبناني كفل حق التظاهر ولكن ضمن إطار القانون. وقال لـ«الأخبار»: «بما أن التظاهرات تكون في أماكن عامة (الطرقات)، فإنه من حق السلطة، بل من واجبها تنظيم هذه التحركات بالطريقة التي تراها مناسبة، آخذة بعين الاعتبار كل الظروف المحيطة».
يكفل الدستور للمواطنين، في المادة 13 منه، حرية الاجتماع ضمن دائرة القانون. وفي ظل تعدد التفسيرات، السياسية بمعظمها، لأي نص دستوري وقانوني، من يضمن حقوق المواطنين بالتعبير عن رأيهم؟ ومن يكفل أمنهم في ظل الحديث عن مواجهات؟