ابراهيم الأمين
لا يزال فريق الأكثرية يراهن على أمور عدة لإعادة الأوضاع الى ما كانت عليه قبل 12 تموز الماضي. والكلام على انقلاب في المحاولات التوافقية خلال أيام التشاور القليلة لم يكن في محله، بحسب مصدر بارز في قوى المعارضة ممن شاركوا في جلسات التشاور. وهو يلفت الى ان محاولة ترك أمر تعطيل مشروع توسيع الحكومة لسمير جعجع من باب الحصة المسيحية، لم يكن عملاً ينم عن كفاءة بقدر ما عكس الرغبة في مناورة مفتوحة حتى تمرير مشروع المحكمة الدولية، برغم ان فريق الاكثرية يرى أن هدف المطالبة بالتغيير هو إطاحة هذه المحكمة علماً بأنه ليس بمقدور احد اطاحة المشروع بل ربما يمكن إدخال تعديلات على آلية العمل بالمحكمة. وأراد فريق الاكثرية إيصال الامور الى حدود تحريم النقاش في ملف المحكمة واعتبار كل تعديل سعياً إلى تبرئة المجرمين على قاعدة ان التحقيق انتهى وأن لائحة الاتهام باتت جاهزة وأن المجرمين باتوا معروفين بالاسم. ومع ان استقالة الوزراء جاءت لتعكس فهم المعارضة لهذه المناورة ولقطع الطريق على مزيد منها، فإن فريق الأكثرية لا يزال يأمل أشياء كثيرة منها ملف التحقيق نفسه.
في الجانب السياسي، أمل فريق الأكثرية احتواء العماد ميشال عون عن طريق إغراقه بالعروض لدخول الحكومة ومحاصرته من خلال اعتبار التظاهر امراً يهدد الشرعية وأن هذا الامر لا يرغب فيه الشارع المسيحي. وبناءً على ذلك ارسل الفريق نفسه من يحث عون على قبول العرض. فجاء مستشار رئيس الحكومة السفير السابق في واشنطن محمد شطح الى الرابية عارضاً ما اعتبره “هدية” للتيار الوطني الحر، وأن يكون هو الشريك القوي بدل حزب الله وأمل. وأفاض شطح في شرح حرص رئيس الحكومة على توسيع المشاركة في الحكومة ورغبته في التعاون مع العماد عون مع تبرير موقفه من طلب المعارضة الثلث المعطل. وبرغم ان عون أبلغه رفض هذا الاقتراح مذكراً بأن الهدف من كل التحرك هو توسيع المشاركة وتحقيق التوازن في المؤسسات الدستورية كافة، الا ان الموفد بدا أكثر اهتماماً بالحصول على موافقة من عون على مبدأ التعاون ولو ظل حزب الله خارجاً، دون التأكد من كلام منسوب الى شطح عن ان العرض يشير الى ان الرئيس نبيه بري لن يكون خارج أي اتفاق.
بدوره كرر السفير الأميركي جيفري فيلتمان العرض نفسه على العماد عون، وشجعه على القبول به وكله حماسة لأن يتخلى عون عن التفاهم أو التحالف مع حزب الله. وكرر موقفه الداعم لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة وإشارته الى دور إيراني ــــــ سوري لتقويض هذه الحكومة والعمل على عرقلة المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري.
وسبق عرض فيلتمان أن بعث البطريرك الماروني نصر الله صفير الى عون يسأله عن حقيقة تلقيه عروض التوزير ضمن مشروع توسيع الحكومة. وفهم صفير من الاجوبة كلاماً واضحاً عن ان العرض لا يحقق هدف التوازن وأن العرض المقدم ليس سوى وسيلة لتكريس مبدأ هيمنة فئة على البقية. كذلك فإن من يسعى الى تصحيح التمثيل السياسي للمسيحيين في لبنان لا يمكنه ان يفعل ذلك وهو يهمش التمثيل السياسي لطائفة اخرى، في اشارة الى ان الأكثرية تعرض على عون الحلول محل تحالف أمل ــــــ حزب الله في الحكومة، وكأنها دعوة الى استعادة التحالف الرباعي مع تعديل في اطرافه. وكرر عون ان المناخات القائمة في البلاد حالياً والتي تضغط باتجاه تصحيح التمثيل العام والتوازن، تنطلق ايضاً من سعي الفريق الشيعي الى تحقيق هذا التوازن، لذا من غير المنطقي ومن غير الأخلاقي طعن الشريك الشيعي بخطوة من هذا النوع. وأكد عون لصفير ان التحرك سوف يستمر وأن هناك آليات كثيرة للتحرك من اجل تحقيق المطالب وأن النزول الى الشارع ليس اولوية.
ولكن بأي برنامج سوف تستكمل الأمور؟
الواضح أن أحداً من فريق الأكثرية (غريب هذا التواضع المفاجئ لوليد جنبلاط الذي يرفض إطلاق صفة الأكثرية على فريقه) لم يفهم الرسالة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في مقابلته الاخيرة عندما قال إن عدم تلبية مطلب حكومة الوحدة الوطنية سريعاً سوف يجعل شعار أي تحرك في الشارع هو الانتخابات المبكرة. ولذلك فإن الخطأ الكبير الذي ارتكبته حكومة الأكثرية بتجاهل مطالب المعارضة من جهة والتعامل مع استقالة الوزراء وكأنها حدث عابر، دفع بالأمور نحو مواجهة عنيفة سوف تفرض تبديلاً واضحاً في الشعارات. وثمة نقاش قائم الآن باتجاه طلب تعديل الوقائع على شكل مختلف، لناحية المطالبة بحكومة انتقالية تتولى الإعداد لانتخابات نيابية مبكرة يكون الحسم فيها، مع تشديد من جانب فريق المعارضة على الاستعداد لكل النتائج سواء لناحية الفوز بالانتخابات أو خسارتها، وتقبل الأمر على اساس واضح فإذا فازت الاكثرية يترك لها أمر إدارة البلاد حتى موعد الانتخابات المقبلة، وتخرج المعارضة نهائياً من مؤسسات السلطة التنفيذية وتقود عملية مراقبتها من خلال المجلس النيابي مع الأخذ بعين الاعتبار ايضاً أن الاكثرية قد تختار شخصاً من بين أفرادها لتولي منصب رئاسة المجلس النيابي اضافة الى اختيار رئيس جديد للبلاد.
أما العنصر الجديد الإضافي في هذا الطرح الذي هو الآن قيد التداول، فهو اعتبار الرئيس السنيورة طرفاً فاقداً للحياد الذي يحتاج إليه منصب رئاسة الحكومة. والمعني هنا بحسب المعنيين أن الرئيس السنيورة لعب دوراً جعله منحازاً بصورة كاملة الى فريـق الاكثرية ولم يراع ابداً موقعه كرئيس حكومة لكل اللبنانيين وانه رئيس لوزراء من خارج فريق الاكثرية نفسه. وان الأداء الذي اعتمده في الآونة الاخيرة ولا سيما إصراره على عقد الجلسة الوزارية خلافاً للدستور، كما تعتقد المعارضة، وإدارة ظهره لمناشدات أسلافه من رؤساء الحكومات السابقين، وتجنبه إدارة حوار من موقعه كرئيس للحكومة وعدم حماسته وعدم تفعيله لمشروع إعادة الإعمار... إن كل ذلك ساهم في جعل المعارضة تدرس بجدية لا سابق لها رفضها توليه رئاسة أي حكومة أخرى تكون هي مشاركة فيها. ومع ان مطلب المعارضة قد يتجه صوب حكومة انتقالية فإنها تفترض ان رئيس الحكومة والاعضاء فيها يجب ان يكونوا في أعلى درجات الحياد وأن لا يكون السنيورة فيها ايضاً. وأكثر من ذلك فإن بين المعارضين من يعتقد بأنه بات ممكناً اشتراط إبعاد السنيورة عن ترؤس حكومة الوحدة الوطنية إذا ما أعيد الاتفاق عليها. وقال اصحاب هذا الرأي: ان السنيورة ليس اهم بالنسبة لشعبه من اسماعيل هنية في فلسطين!