طارق ترشيشي
لا توحي تصرفات الأكثرية الحاكمة في هذه المرحلة انها قرأت جيداً حجم الزلزال الداخلي والإقليمي والدولي الذي أحدثه إحباط المقاومة لأهداف العدوان الاسرائيلي، الذي أريد منه أن يكون ولاّدة «الشرق الاوسط الجديد»، حسبما عبّرت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس.
كما ان هذه الاكثرية لم تقرأ، ولا يبدو أنها تريد أن تقرأ، ما تعنيه هزيمة إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الجمهورية، أمام الحزب الديموقراطي في الانتخابات النصفية الاميركية الاخيرة، والتي كان فشل العدوان الاسرائيلي احد اسبابها، الى جانب الفشل الاميركي في العراق.
لقد بلغت الادارة الاميركية وحلفاؤها شفير الدخول في مفاوضات وتسويات مع سوريا وإيران، فيما الاكثرية اللبنانية تواصل «حربها » على ما تسمّيه «المحور السوري الإيراني»، غير مدركة أن داعمتها واشنطن التي تخلت عن خططها لقلب النظامين في دمشق وطهران، لا حباً بهما بل لضعف إمكاناتها وقدرتها على ذلك، إنما تريد من «الحراك الاكثري اللبناني»، في هذه المرحلة، تحسين شروط تراجعها، بحيث تستخدمه قفازات لملاكمة تفاوضية متوقعة لها مع دمشق وطهران. حتى إذا انتهت «المباراة» تخلعها وترميها جانباً، كما يفعل الملاكمون المحترفون عادة، حيث لا يستخدمون القفازات إلا في مباراة واحدة فقط.
والمراقبون يتوقفون في هذا السياق عند كلمة رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير مساء أول من أمس، في تقويمه للسياسة الخارجية البريطانية في السنوات العشر الأخيرة، حيث كانت خلالها توأماً للسياسة الخارجية الاميركية أو كاسحة ألغام أمامها، حيث اعترف بلير بأن الوصول الى حلول للمسألة العراقية والشرق الأوسط، لا يتم إلا من خلال الشراكة مع إيران والتفاوض مع سوريا.
ويلاقيه في هذا الاقتراح وزير الدفاع الاسرائيلي عامير بيرتس وبعض الاصوات الاسرائيلية الاخرى، بالدعوة الى فتح مفاوضات مع دمشق، فيما بوش المهزوم داخلياً والمتراجع خارجياً، يعلن أن لا مانع لديه من التفاوض مع إيران، إحدى ركائز «محور الشر» وفق توصيفه، شرط ان توقف برنامجها النووي، ليؤكد من خلال هذا الموقف أنه قابِل مبدأ التفاوض، أما فرض الشروط فهو لحفظ ماء الوجه.
والمستغرب لدى الفريق المعارض في هذا المجال، أن «الاكثرية الآذارية » أطفأت شاشاتها وأحرقت صحفها وصمَّت آذانها، إلاَّ عن سماع ما يقوله لها السفير الأميركي جيفري فيلتمان والناظر الدولي للقرار 1559 تيري رود لارسن، وما تهمس به رايس لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة، بعدما افتقدت «رفيق» حروبها دونالد رامسفيلد، وتعيش هاجس تغيير «سفيرها» في الأمم المتحدة جون بولتون، فتكون قد خسرت تحصيناتها في وزارتي الدفاع والخارجية.
والأكثرية رغم كل ذلك، تواصل تنفيذ البرنامج المحدد لها أميركياً قبل الحرب الاسرائيلية على لبنان، والذي يفترض هزيمة المقاومة وكأن شيئاً لم يكن، مما يسهل للإدارة الاميركية إمكان التخلص منها، كـ«أحمال زائدة» لإمرار أي صفقة تفاوضية مع إيران وسوريا، وذلك من خلال دفعها إلى القيام بأعمال مخلة بالدستور وبصيغة العيش المشترك بين اللبنانيين، من مثل ما فعلت أول من أمس بافتئاتها على صلاحيات رئيس الجمورية وإقرار مسوّدة مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي في جلسة غير دستورية لمجلس الوزراء في الشكل وفي المضمون، الأمر الذي شرّع الساحة الداخلية على مخاطر صدام بينها وبين المعارضة، حتى إذا انتهى لمصلحة الاخيرة تكون واشنطن تخلصت من «حمل زائد» على يد غيرها.
وفي رأي الأوساط المعارضة أن «قصر النظر» لدى الاكثرية يدفعها الى التصرف على أساس «ان الزمن توقف عندها وانها مستمرة في الحكم الى ما لا نهاية»، ولذا فإنها تخالف الدستور وتنسف الأعراف وتشرّع «ديموقراطية العدد» وتلغي «ديموقراطية التوافق»، حتى إذا ما طالبت واشنطن بتحقيق ديموقراطية لبنانية على أساس التقرير العددي الاخير الكونغرس، الذي يظهر المسيحيين أقلية، فإنها تنسف بذلك قاعدة المناصفة القائمة بموجب اتفاق الطائف بين المسلمين والمسيحيين، التي أريد منها أن تكون الأساس لتوازن مستدام للنظام ولميثاق العيش المشترك.