طرابلس ــ صفّوح منجّديعاني الباحثون والمهتمون بشؤون الكتابة والتأليف في طرابلس خاصة والشمال عامة، غياب المكتبات العامة والمراكز المختصة التي في إمكانها تقديم الخدمات ووضع المراجع والبحوث بتصرفهم، سواء كانوا طلاباً أو أساتذة جامعيين أو كتّاباً ومؤلفين أو سواهم.
ويضطر معظم هؤلاء إلى الانتقال الى العاصمة وربما السفر الى الخارج للبحث والتنقيب عن المراجع والمخطوطات والمؤلفات المتنوعة لإغناء بحوثهم ومؤلفاتهم، في وقت يقتصر فيه وجود المكتبات العامة في طرابلس على اثنتين: الأولى في مركز رشيد كرامي الثقافي البلدي التي تشرف عليها بلدية طرابلس، والثانية تم تأسيسها في مقر الرابطة الثقافية، على رغم أن طرابلس في العصور السابقة كان يطلق عليها «مدينة العلم والعلماء»، وتعجّ مساجدها وتكاياها وزواياها الدينية بالمؤلّفات والمخطوطات الدينية والعلمية التي تعنى بمختلف القضايا الحياتية والدنيوية، الى جانب عدد كبير من المكتبات الخاصة في بيوت علماء طرابلس ورجالاتها، والتي آلت الى الزوال لأسباب مختلفة في مقدمها عدم اهتمام الأحفاد بعلوم الأجداد وثقافاتهم ومقتنياتهم الأدبية والعلمية والثقافية.
وتعتبر المكتبة الأميركية أوّل محاولة لإنشاء مكتبة عامة في طرابلس أواسط الخمسينيات، لكنّ أحداث عام 1958 أدّت الى إحراق محتوياتها، ولا سيما أنّها كانت بإشراف «النقطة الرابعة» التابعة للسفارة الاميركية، الأمر الذي دفع بالمتظاهرين يومذاك الى استهدافها وتحطيمها.
وجرت محاولة ثانية في هذا الإطار، فأقيمت مكتبة عامة مشتركة بين النقطة الرابعة وبلدية طرابلس، كان مقرها بجانب القصر البلدي في شارع المالية، بينما كان مقر المكتبة الأولى عند مدخل المدينة القديمة في السرايا العتيقة.
ولكن هذه المكتبة «المشتركة» تعرضت أيضاً للاحتراق أثناء تظاهرة شعبية انطلقت في أعقاب سقوط دولة الوحدة بين سوريا ومصر عام 1961. وانتظر الطرابلسيون طويلاً إقامة مكتبة عامة في المدينة، الى ان تمكّنت بلدية طرابلس من تحقيق هذه الأمنية في أواخر الستينيات، فأقامت مكتبة عامة في قصر آل نوفل التاريخي الذي حولته الى مركز ثقافي بناء على رغبة مالكيه الذين تنازلوا عنه للبلدية شرط استخدامه للنشاطات الثقافية.
ولكن الأحداث وتتابع الظروف والأوضاع الأمنية حالت دون الاهتمام بتنظيم هذه المكتبة وتوفير مستلزمات تطورها وتعزيزها، من حيث اقتصر جناح المكتبة العامة هذه على رفوف حملت أسماء المتبرعين من رجالات طرابلس الذين قاموا بإهداء مكتباتهم ومقتنياتهم الشخصية من كتب ومؤلفات للمكتبة البلدية. ولكن معظم هذه الكتب والمؤلفات لم تكن تشفي غليل الباحثين، إذ غابت الكتب الصادرة ما بعد الستينيات. ويذكر في هذا المجال ان بلدية طرابلس تمنت في قرار صادر عن المجلس البلدي، على المؤلفين والكتّاب المحللين وأصحاب المكتبات ودور النشر تزويد المكتبة العامة نسخاً عن الكتب والمؤلفات الصادرة عنهم لوضعها بتصرف القراء والمهتمين، ولكن قلة التزمت هذا «التمنّي»، فيما لوحظ في السنوات الأخيرة عدم رصد أي مبلغ مالي لتعزيز مقتنيات هذه المكتبة، على رغم التحسينات التي طرأت في مجال إعادة ترميم قصر نوفل أو مركز رشيد كرامي الثقافي البلدي وجناح المكتبة العامة فيه، وإدخال البرمجة على عناوين محتوياتها وإعادة تجهيزها بالخزائن والطاولات والإضاءة وسوى ذلك.
ولا بد من الاشارة في هذا المجال الى الخطوة الرائدة التي أقدمت عليها الرابطة الثقافية بتخصيصها طبقةً وأجنحة فسيحة في مبناها لإقامة مكتبة عامة تم تزويدها عدداً وافراً من المؤلفات والكتب والمراجع. ولكن تبقى هذه المكتبة، الى جانب شقيقتها في قصر نوفل، مقتصرة من حيث الرواد والمهتمين على طلبة المدارس.
ويمكن الاشارة أيضاً الى وجود عشرات المكتبات الخاصة غير المتخصصة في عدد من المراكز والمقرات الجامعية التي تعاني أيضاً غياب المراجع العلمية والأكاديمية، فيما يُنتظر بدء إنشاء مكتبة عامة في المركز الثقافي التابع للوزير محمد الصفدي في طرابلس، حيث وُقِّع على عدة اتفاقات وبروتوكولات مع جهات محلية وأجنبية لكي يفي هذا المركز والمكتبة العامة فيه بدورهما الثقافي في طرابلس خلال فترة وجيزة.