وفاء عواد
في جلسة استثنائية، شكلاً ومضموناً، أقرّت «الأكثرية» مسودّة مشروع النظام الأساسي للمحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، في غياب 7 وزراء. وبعيداً عن الأسباب السياسية والشكلية والدستورية والميثاقية التي رافقت انعقاد الجلسة، سجّل رئيس مجلس شورى الدولة السابق، القاضي يوسف سعد الله الخوري، في حديث الى «الأخبار»، اعتراضه على نصّ المسودّة «المعيب بامتياز»، إذ «يقتضي إنجاز التحقيق وصدور قرار الاتهام عن لجنة التحقيق الدولية وقاضي التحقيق العدلي، بصورة صريحة ونهائية، قبل انعقاد المحكمة الخاصة أو التئامها».
ومنطلقاً من «العيب الذي يشوب شكل نظام المحكمة وأصوله، والذي يخالف المادة (52) من الدستور»، يشير الخوري الى أن العلم والاجتهاد يتفقان على أن «من يتولّى المفاوضات والتوقيع هو وزير الخارجية أو السفراء المعتمدون لهذه الغاية من قبل رئيس الجمهورية شخصياًمتمتّعين بسلطات فوق العادة يمنحهم إياها الرئيس خطياً، وبتوقيعه الرسمي»، ما يعني أن التفاوض وتوقيع المعاهدة «يتمّان باسم رئيس الجمهورية بالذات»، لكن التفاوض والتوقيع «لا يعنيان الإبرام»، فالإبرام «يتم مباشرة من قبل رئيس الجمهورية، بعد توقيع المعاهدة باسمه. وعندئذ، يأتي دور رئيس الحكومة، ومن ثم دور مجلس الوزراء، أي إنه لا يجوز لرئيس الحكومة ولا لمجلس الوزراء أن يأخذا علماً بالمعاهدة ولا أن يمارسا دورهما المنصوص عليه في المادة (52) إلا بعد أن يكتمل دور رئيس الجمهورية في المفاوضة والتوقيع، وبعد أن يقرّر إطلاق عملية الإبرام النهائي، عبر رئيس الحكومة ومجلس الوزراء، فمجلس النواب».
أما إذا اجتمعت الحكومة اللبنانية لإبرام هذه المعاهدة (أو هذا الاتفاق) وفق المادة (52)، من دون مبادرة من رئيس الجمهورية، فإن «هذا الاجتماع قد يكون صحيحاً في الشكل، لكنه يكون بالتأكيد غير دستوري في المضمون والأساس».
ووفق ما استقرّ عليه الاجتهاد «إذا كان أي عمل تقوم به السلطة التنفيذية معيباً في الشكل والأصول، فإنه يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً»، ويؤكد الخوري استحالة إصلاح هذا العيب بعد وقوعه، فهو «باطل، ويبقى باطلاً. وبالتالي، يجب البدء من جديد وفقاً للأصول الدستورية».
وبالانتقال الى مضمون المسودّة، يلفت الخوري الى أن الفقرتين (2) و(3) تفرضان على السلطة القضائية اللبنانية وعلى سائر السلطات المختصّة، «التنازل للمحكمة الخاصة عن اختصاصاتها، ما يعني تعطيل المادة (20) من الدستور، التي تقضي بأن تتولّى الأحكام في الجرائم والنزاعات المتكوّنة على الأرض اللبنانية «السلطة القضائية التي تتولاها المحاكم، على اختلاف درجاتها واختصاصاتها، ضمن نظام ينصّ عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة والمتقاضين الضمانات اللازمة».
وإذ تنصّ الفقرة (2) من المادة (5) على أنه «لا يجوز للمحكمة الخاصة في ما بعد، محاكمة شخص بتّت محاكمته أمام محكمة وطنية، إلا إذا كانت إجراءات النظر في القضية أمام المحكمة الوطنية تفتقر الى اعتبارات الحياد والاستقلال، أو موجّهة لإعفاء المتهم من المسؤولية الجنائية الدولية»، يشير الخوري الى أن هذه الفقرة تشكّل «انتهاكاً لقوة القضية المحكمة، ولا يجوز النص عليه أصلاً. ومن ثم فهي تشكّل قدحاً وذمّاً في القضاء اللبناني، وبالتالي، انتقاصاً من سيادة الدولة وقدسية قوانينها»، متسائلاً: «من هي الجهة المختصّة لكي تقرّر مثل هذا الأمر؟». ويضيف الخوري الى اعتراضه على مضمون المسودّة جملة من الملاحظات:
- المادة (7)/ هيئات المحاكم: تحديد النظام لكيفية تكوين المحكمة الخاصة، «ينطوي على هيكلية تتعارض مع المادة 20 من الدستور ومع قانون القضاء العدلي».
- المادة (9)/ مؤهلات القضاة وما يجب أن يتوافر فيهم من صفات «التجرّد والنزاهة مع خبرة قضائية واسعة»: «فمن يقرّر ذلك، ووفق أية معايير؟»، هذا انتهاك لمبدأ المساواة وينطوي على مزاجية خطيرة غير محكومة بأي ضابط، علماً بأن الاجتهاد أنزل مبدأ المساواة ومبدأ كرامة الإنسان في منزلة الدستور. فينبغي إذاً أن تحدّد شروط التعيين أو الاختيار بدقة في نصوص واضحة، وهذا غير متوافر».
- المادة (10)/ فقرة (2): تقضي بأن يقدّم رئيس المحكمة الخاصة تقريراً سنوياً عن عمل المحكمة وأنشطتها الى الأمين العام والى حكومة لبنان. «هذا النص غامض وينطوي على ثغر. فهو يشكّل بدعة تنتهك قاعدة الفصل بين السلطات، وتخلّ بالتوازن في ما بينها من جهة أخرى. إذ تخضع السلطة القضائية للسلطة التنفيذية: دولياً (الأمم المتحدة)، وداخلياً (الحكومة اللبنانية)، وكأننا أمام رئيس ومرؤوس، وهذا مرفوض دستورياً لأنه يجعل من السلطة القضائية آلة في يد الحكومة».
- المادة (11): تنص على أن «يتولّى المدّعي العام التحقيق والادعاء»: هذا «خرق فاضح وغير مقبول لقاعدة الفصل بين التحقيق والملاحقة (التي ترمي الى تفادي انسياق قاضي النيابة الى التمسّك بادعائه ورأيه في ما لو أوكل اليه أيضاً أمر التحقيق)، ما يشكّل خطراً كبيراً على الحقوق الفردية وعلى منطق الحياد وموضوعية العدالة»، علماً أن العلم والاجتهاد متفقان على تقسيم المسؤوليات والمهمات بين قاضيين: النائب العام (يقيم الدعوى العامة ويلاحق المجرم ويحيله أمام الهيئات القضائية، ومنها قاضي التحقيق)، وقاضي التحقيق (يتولّى جمع الأدلّة في الجرائم والتحقيق فيها مع المشبوهين أو الفاعلين واتخاذ القرار النهائي بالظنّ أو الاتهام).