طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
على رغم أنّه لم يمضِ على بدء العام الدراسي الجاري أكثر من شهر، فإنّ ظاهرة التسرب المدرسي في عدد من المدارس الرسمية في الشمال، بدت لافتة، وخصوصاً لدى الأولاد الذين تقل أعمارهم عن 12 سنة.
وإذا كان يلاحظ بوضوح تفشي وانتشار هذه الظاهرة في بعض المناطق الشعبية في طرابلس، مثل باب التبانة وباب الرمل والقبة من ناحية مشاهدة عشرات الاولاد المتسكعين في الشوارع في اوقات دوام التعليم تحديدا، فإنّ ذلك لا يعني اختفاء هذه الظاهرة من بقية المناطق الاخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف أسباب ودوافع وأحجام هذه الظاهرة بين منطقة واخرى.
وفي هذا السياق يمكن أن يُفهم مغزى القرار الذي اتخذته وزارة التربية أخيراً، والقاضي بتمديد مهلة التسجيل في المدارس الرسمية حتى نهاية الشهر الجاري، على الرغم من أنّ «الاسباب الاقتصادية لا يمكن ان تكون هي السبب وراء تأخر بعض التلاميذ في التحاقهم بمدارسهم حتى الآن، بعد اعفائهم من دفع رسوم التسجيل أو ثمن الكتب هذه السنة»، حسب ما يقول رئيس المنطقة التربوية في الشمال حسام الدين شحادة.
ويشير شحادة الى أن «من أهم أسباب تسرّب التلاميذ من مدارسهم، اصطدامهم بمصاعب تعليمية في الحلقة الثانية للتعليم الاساسي نظراً لعدم أهليتهم لمواجهتها بفعل الترفيع المُيسّر المتّبع في الحلقة الاولى، الأمر الذي يجعلهم يرسبون في صفوفهم لاحقاً، فيضطرون الى اعادتها مرة ثانية، فيكون لذلك اكبر الأثر في تسربهم من مدارسهم في هذه المرحلة».
ويضيف شحادة سبباً آخر للتسرب المدرسي، يتمثل في المناهج المدرسية. فـ«عندما ألغيت الاستعانة بالكتب من صفوف الروضات في المدارس الرسمية، اصطدم التلميذ لاحقاً في الصف الاول من الحلقة الاولى للتعليم الاساسي، بنصوص لم يتعرف إليها سابقاً، أو يتدرج اليها بصورة طبيعية كتهجئة الحروف والأرقام. وهذه الثغرة في الروضات، تستدعي اعادة دراسة وتقييم المناهج التعليمية وتغييرها، لتلافي الخلل الموجود في هذه الصفوف».
ويلفت شحادة الى أنّ "عدم ادراك الأهل بالشكل الكافي لأهمية التعليم بالنسبة لابنائهم، يعتبر مشكلة اخرى تضاف الى ما سبقها من مشاكل، لتتفشى بصورة اكبر ظاهرة التسرب المدرسي في أوساط التلاميذ".
ويشير الى أن «منطقة التبانة تشهد اكبر نسبة من هذه الظاهرة في طرابلس، نظراً للاكتظاظ السكاني الكبير فيها، وتردّي اوضاعها المعيشية والاجتماعية، واكتفاء الاهل فيها بأن يتعلّم أبناؤهم القراءة والكتابة فقط، ثم التوجه نحو سوق العمل باكراً من اجل امتهان احدى الحِرَف، والتي تأتي غالباً على حساب تحصيلهم العلمي ومستقبلهم الاجتماعي والوظيفي».
ويوضح شحادة ان "لدى وزارة التربية مشاريع عدة من اجل معالجة مشكلة التسرب المدرسي، لكنها إما لم تُطبق، أو طبقت بالشكل غير المطلوب، الامر الذي لم يَحُل دون بقاء هذه المشكلة على حالها، او تفاقمها في بعض الاحيان، إضافة الى أنّ التعاون مع مجالس الاهل، وهيئات المجتمع المدني في هذا المجال، بقي دون حدود النتائج المرجوة".
وإذا كان شحادة قد اشار الى أنّ «التسرب المدرسي الموجود في مدينة طرابلس، هو اكثر مما عليه في الأرياف»، فإنّ الامين العام للمنتدى الثقافي في الضنّية زياد جمال، يردّ الاسباب الى «وجود انواع من التكافل الاجتماعي في الضنّية، تحول دون تفشي هذه الظاهرة وانتشارها».
إلا أنّ جمال يلاحظ أنّ «حالات التسرب المدرسي القليلة الموجودة في البلدات الكبيرة في الضنّية (بخعون، سير، السفيرة..)، لا تغفل واقعين مهمين: الاول نزوح أعداد لا بأس بها من العائلات من المناطق الجردية باتجاه المناطق الساحلية، من دون معرفة مصير التحصيل العلمي لأبنائهم. والثاني الإغراء الذي تمثّله الهجرة الى الخارج طمعاً بالثروة، وتحديداً الى دول الخليج، لشبان هم دون الـ16 من عمرهم، مع ما يمثّله ذلك من فجوة علمية وثقافية بين الاجيال، بدأت بعض ملامحها بالظهور».