غسان سعود
يخرج بعض الطلاب من جامعتهم. يفاجأون بمشهد الشارع الذي غالباً ما اتّسم بصخب جميل، فإذا به يغرق فجأة في ضوضاء الشعارات السياسية والهتافات النابية. يتسلّل بعض الطلاب من خلف الجدران البشرية التي أقامتها القوى الأمنية، ويغادرون مسرعين إلى منازلهم من دون المرور بالـTonino أو الـBaguette، كما جرت العادة.
فشارع بليس أمس، لم يكن جامعاً كعادته. كان منقسماً بين فريقين رئيسيّين، شبان جامعيون، حناجر متحمّسة، وشعارات قديمة تفتقد الإبداع الشبابي أو المتمايز: هنا «لا إله إلا الله، نصر الله عدو الله»، إضافة إلى شتائم كثيرة، وهناك «حلها يا برّي حلها، الدنيي بدنا نحتلها، ما بدنا كرسي واحدة، بدنا الكراسي كلها».
يقترب الشباب بعضهم من بعض. تستنفر القوى الأمنيّة. يتراجع مناصرو كل من الفريقين قليلاً إلى الوراء، ويعيدون تنظيم الصفوف والأصوات. ينقل أحدهم المعركة الطالبية إلى مكان آخر، صارخاً: «أصفر أخضر ليموني... بدنا نسقّط الحكومة». فتندفع المجموعة الأخرى في الصراخ بشكل هستيري «سنيورة، سنيورة، سنيورة...» و«باقٍ، باقٍ، باق...».
لكن أنصار حركة أمل، الذين تركهم حلفاؤهم وحيدين في مواجهة الفريق الآخر، لا يفقدون المبادرة. ويرددون «ليلة عيد... ليلة عيد... الليلة ليلة عيد... بدنا نجدّد للحّود من أوّل وجديد».
يبتسم أحد عناصر القوى الأمنية، ويسأل زميله عمّا يُمكن أن يحصل الآن. وقبل أن ينتهي كلام العيون بين العنصرين، يقفز أحد «التقدّميّين» على أكتاف رفيقه مردّداً بيتين من الزجل فيهما الكثير من الدبّابات والملالات والكلام البذيء بحق الرئيس اللبناني إميل لحود. وتزداد حماسته بعد تجاوب مؤيّدي حزبه والحلفاء. فيصرخ: «بو تيمور ما تعتل هم، عندك زلم بتشرب دم». يطلب أحد أفراد مكافحة الشغب من الشباب أن يلتزموا الهدوء، فيقفز تقدميّ آخر ويهدّد أن «عدم سكوت الفريق الآخر سيدفعنا إلى أن نوصل الدم حتى الركب».
هكذا ينتهي كلام طلاب «الأميركية»، الذين يتوقّع منهم البعض أن يكونوا نخبة لبنان الجديد.

لقطات
وزعت الفولارات الملونة لكل الأطراف بالكيلو.

وضعت إحدى الطالبات أكثر من فولار لأكثر من طرف. ولدى سؤالها عن السبب قالت «أنا مع الكل».

مقابل التنافس الودّي داخل الجامعة، ارتفعت الحدة بين الطلاب في الخارج. وأثار قرار تأجيل الفرز بلبلة وضياعاً. وازدادت حدة الشحن بين مناصري التقدمي والمستقبل والقوات من جهة، وحركة أمل من جهة أخرى، بعد أن اقتصر وجود مناصري حزب الله على داخل الحرم الجامعي، فيما انزوى العونيون بعيداً عن الأجواء الاستفزازية.
تقدّم مواطن رافعاً العلم اللبناني. وتموضع في الوسط مباشرة بين المجموعتين، موزعاً ابتساماته في كل الاتجاهات. فاقترب منه أحد أفراد القوى الأمنية، وحذّره من هجوم الفريقين عليه. لكنّه ردّ بغمزة صغيرة، قائلاً إنهما مجموعتان «من الحمقى. فغداً يجلس زعماؤهم حول طاولة الحوار، ويبقون هم أسرى خلافات تمنع بعضهم من التعرف على بعض، والاستفادة من الحياة الجامعية لبناء مستقبل آخر».