ابراهيم الأمين
لم يعد هناك من مجال لنصف تسوية. وليس بيد أي من الطرفين حيلة تقي البلاد شر مواجهة باتت قائمة خارج الغرف المغلقة. وما يراد قوله على أي طاولة للحوار أو التشاور يقوله المعنيون على شاشات التلفزة وفي الحوارات الداخلية والثنائية. والمشكلة الكبرى تكمن في أن الانقسام بات في مكان يصعب معه إنتاج تسوية سريعة من دون تدخل خارجي قوي وقوي جداً، وهو الأمر الذي يجعل الأنظار تتجه مرة جديدة الى الخارج حيث يقدر الأميركيون ومعهم السعودية ومصر على إقناع فريق الأكثرية بالتنازل، لكن المشكلة هنا، بحسب مصدر دبلوماسي عربي، ترتبط برفض الولايات المتحدة فتح حوار مع دمشق قبل حصول تطورات تتصل قبلاً بملفات أخرى ليس في أولويتها لبنان، الذي لا تزال الولايات المتحدة تنظر إليه على أساس أنه ساحة خاصة لعمل سياسي كبير لا يحتمل المناورة المفتوحة بل الوقوف بكل قوة الى جانب حكومة الأكثرية وتحديداً الى جانب رئيسها فؤاد السنيورة الذي تعتقد الولايات المتحدة ومعها السعودية ومصر أنه “كنز لا يمكن التفريط به ولا يمكن تحويله كبش فداء في المعركة الحالية”.
ويبدو أن فريق الأكثرية يريد فتح كوة في الجدار المرتفع، وتقوم المبادرة على إقناع الرئيس نبيه بري بإعادة التواصل مع الجميع بوصفه مفوّضاً من فريق المعارضة، وهو ما رفضه رئيس المجلس الذي أبلغ الوزير غازي العريض كما السفير السعودي عبد العزيز الخوجة أنه سبق أن حذّر من أن عدم التجاوب مع مطلب تأليف حكومة وحدة وطنية سوف يقود الى ما هو أكثر تعقيداً وأن من يفترض أنه يمكن تجاوز ما قامت به الأكثرية خلال الأيام القليلة الماضية يكون فاقداً للفهم السياسي الجدي، وأن الأمور تتجه الآن صوب المطالبة لا بأقل من انتخابات نيابية مبكرة. وإن كان بري قد لفت الانتباه الى ضرورة القيام باتصالات تتجاوز الساحة المحلية إدراكاً منه للبعد الإقليمي والدولي للأزمة الراهنة، وهو وإن تقبّل بود المديح السعودي له ولدوره المركزي إلا أنه ينتظر مبادرة سعودية باتجاه فريق الأكثرية الواقع تحت سيطرتها لا وصايتها فقط.
أما آخر أفكار الأكثرية فهي تنقسم بين عرض يقبل به قسم منها يقول بتوسيع الحكومة الحالية لتصبح ثلاثين وزيراً بعد عودة الوزراء الخمسة عن استقالتهم، وأن يصار الى منح المعارضة عشرة مقاعد وزارية مقابل 19 مقعداً وزارياً لفريق الأكثرية وأن يكون الوزير الرقم ثلاثون مستقلاً لا علاقة له بالفريقين، من أجل ضمان عدم لجوء أي من الفريقين الى الاستبداد تصويتاً أو استقالة، على ما نقل عن مصدر بارز في فريق الأكثرية. بينما يعرب وليد جنبلاط عن استعداده لإطلاق مبادرة سياسية شاملة تقوم على حل كامل من ملف الرئاسة الى ملف الحكومة الى ملف الانتخابات النيابية شرط أن تُقر المحكمة الدولية بكامل فصولها قبل أي شيء آخر.
واتضح أن فريق الأكثرية يراهن بقوة على دور أخير للرئيس بري في كل المجالات، ويبدو أن الرئيس السنيورة مهتم أكثر من غيره بالقيام بدور مركزي في هذا المجال انطلاقاً من رغبته في عدم إيصال الأمور الى حدود إسقاط الحكومة الحالية، وقد بادر رئيس الحكومة كما فريق الأكثرية الى العمل على احتواء بعض الوزراء بعدما شاعت أجواء بأن وزراء الطائفة الأرثوذكسية يقتربون من قرار الخروج من حكومة تهدد العيش المشترك. وهو أمر جرى بحثه أيضاً مع وزير العدل شارل رزق من دون أن يزعم أحد التوصل الى نتائج محددة على هذا الصعيد.
في جانب المعارضة قُضي الأمر. الحكومة لن يُعترف بها ولا بقراراتها وسيجري التعامل معها على أساس أنها غير شرعية. وبالتالي فإن برنامج التحرك الخاص بها لا يرتبط بجدول أعمال الحكومة الحالية ولا بإذن منها، وهو الأمر الذي لم يفهمه بعد وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت الذي يرى أنه لم يحصل بعد على طلب إذن بالتظاهر حتى يقوم بالإجراءات المفترض اتخاذها، علماً بأن لدى الأجهزة الأمنية الرسمية وما يتبع منها لقوى الأكثرية مباشرة ما يكفي من المعلومات في شأن أن قرار النزول الى الشارع من جانب المعارضة قد بات على وشك الإعلان، وأنه في حالة التنفيذ لن تقف عند خاطر وزارة الداخلية لا لناحية تحديد التوقيت ولا المسار ولا أي أمر آخر. وأن مسؤولية القوى الأمنية الأولى تنطلق من رفض أي نوع من الأوامر بقمع التحرك الشعبي، وقد أبلغت قوى المعارضة جهات أمنية مسؤولة بهذا الكلام بعد ورود معلومات عن نية فتفت وبعض أركان الأكثرية مثل سمير جعجع ووليد جنبلاط (ممثلاً بمروان حمادة) وآخرين من نواب الأكثرية الطلب الى الأجهزة الأمنية “القيام بواجباتها ومنع مخالفة القانون” وهو الغلاف لطلب القمع ولو كان دموياً. وفهم بعض القادة الأمنيين البارزين أن قوى المعارضة اتخذت سلسلة من الإجراءات الداخلية التنظيمية لمنع حصول أشياء كثيرة منها:
ـــــ عدم توجه المتظاهرين من حزب الله والتيار الوطني الحر الى أحياء بيروت الداخلية حيث يمكن أن يحصل احتكاك قد يأخذه فريق الأكثرية نحو مواجهة طائفية أو مذهبية.
ـــــ تفريغ المئات لا بل الآلاف من عناصر قوى المعارضة لتولي أمر تنظيم كل أنواع التحركات الشعبية بما في ذلك منع الاقتراب من أي مؤسسة لمنع أي نوع من أنواع التخريب، والقيام بأنشطة من النوع الذي يوفر الغاية من التظاهر من دون الإفساح في المجال أمام فريق الأكثرية للقيام باعتداءات إلا إذا كان في فريق الأكثرية من ينوي قيادة الأمور نحو أوضاع سيئة، لا بل طلب الى المشرفين على التظاهر تحمّل كل قدر من القمع بما في ذلك احتمال تعرضهم لإطلاق النار، وخصوصاً أن القوى الأمنية لم تُجرّد من الأسلحة النارية المميتة وتخصيص فرق خاصة لمكافحة الشغب، ولا سيما أن صورة ما حصل في الرمل العالي لا تزال حاضرة بقوة الدم الذي سال من المدنيين الذين أطلقت النار عليهم.
ـــــ توزيع العمل بين مختلف قوى المعارضة وفي داخل كل منها وتقسيم مناطق لبنان كلها الى قطاعات بما يسمح بجعل لبنان يغرق في يوم واحد بأكثر من مليوني متظاهر إذا تقرر ذلك.
ـــــ عدم استثناء أي منطقة أو أي مربع بحجة أنه يخص هذه المؤسسة الرسمية أو تلك، بما في ذلك رفض اعتبار ساحة الشهداء خاصة بفريق دون آخر، والعمل على استخدامها متى تطلّب الأمر ذلك.
قرار النزول الى الشارع اتُّخذ والتنفيذ مسألة ترتبط بأشياء بسيطة المظهر لكنها حاسمة النتائج، وهو ما يصر طرفا المعارضة على وضعه في خانة المفاجآت الآتية.