أمال ناصر
الفريق الحاكم يريد إلغاء الآخرين ويتخذ من إغتيال الرئيس الحريري «شماعة» للإتهام السياسي

يمر لبنان اليوم بمخاض عسير قد يخلص الى ولادة أزمة وطنية مفتوحة، أولى بوادرها كانت استقالة وزراء حركة «أمل» و«حزب الله»، إضافة الى الوزير يعقوب الصراف، وليس آخرها التحركات المرتقبة للفريق المعارض، بعدما استُبعد عن مواقع القرار بفعل الأمر الواقع الذي فرضته قوى «الأكثرية النيابية».
ولا يبدو أن المقبل من الأيام سوف يزيل هذه المسافة، أو يخفف من حدة الانقسام السياسي في البلد. ولعل من اللافت أن بلد العجائب لبنان يستطيع تظهير مشاكله وأزماته بطريقة فيها الكثير من الإبداع، الى المستوى الذي يغدو فيه خروج طائفة بكاملها من الحكومة اللبنانية غير مناقض لميثاق العيش المشترك.
المشهد اللبناني يبدو مثيراً للإعجاب، وخصوصاً في هذه اللحظة الصعبة التي تمر بها المنطقة، وهي تقف على مفترق طرق خطير، بين التفجير الواسع والشامل الذي قد ينطلق من خلال العلاقات المتوترة بين ايران والولايات المتحدة الاميركية على خلفية الملف النووي الايراني والوضع العراقي المشتعل، وإمكان التهدئة والمفاوضات والحوار من خلال الملف عينه.
مصدر نيابي «تشاوري» متابع ومبادر، همس لـ«الأخبار» بعض ما اعتبره «دجل السياسيين اللبنانيين وكذبهم»، مشيراً الى أن الحراك السياسي اللبناني، بما فيه ما جرى على طاولة الحوار تصعيداً أو تعقيداً، لا يساوي شيئاً في الحسابات الاقليمية الدولية، وليس له من وزن وسط أحداث المنطقة، وخصوصاً أن لبنان بات على هامشها، وأنه العنصر الأكثر انفعالاً بها، وليس بالضرورة ان يكون العنصر الفاعل فيها، لأن التطورات أعادته الى حسابات سابقة تراجع فيها «الدور» الى المستوى الذي أصبح فيه «ورقة».
ويروي المصدر عينه «فصلاً من النفاق السياسي» على حد تعبيره، فيذكر واقعة واحدة من حقائق الزمن الماضي، ومفادها «أن مرجعاً حكومياً حالياً، كان موجوداً ذات يوم في مقر أحد المصارف التابعة لرئيسه، فيما بعض المتظاهرين من القوى السيادية آنذاك يعبّرون عن رفضهم الوجود العسكري السوري في لبنان، فتوجه المرجع المقصود الى الشرفة، خشية تنصّت معادٍ ربما، وقال للمصدر النيابي صاحب الرواية: كل من يفكر في إخراج سوريا من لبنان مجنون، لأنه لا يمكن أحداً فصل لبنان عن سوريا».
ويتابع «ان رئيس أحد الأحزاب المسيحية الموالية اليوم، لا يزال يعيش ذهنية ما قبل الإحدى عشرة سنة الماضية، وأفكار التقسيم والفدرالية، لأنه لم يعرف إلا «حوار الجدران» واليوم يريدونه أن يحاور البشر». وكشف أن «هذا المسؤول الحزبي أكد له موافقته على إعطاء رئيس التيار الوطني الحر النائب ميشال عون أربعة وزراء». فاستبشر النائب قائلاً «إن الأزمة قد حُلّت بالنسبة الى الثلث المعطل»، إلا ان رئيس الحزب رد قائلاً: «لكننا لن نُبقي على الوزراء الشيعة». وماذا ستفعلون بهم؟ هل سترمون طائفة بأكملها خارج الحكومة؟ فيجيب «الحزبي»: «نحن نتصرف بالشيعة، نعطيهم وزيراً ونتفق مع الرئيس بري عليه».
وأكد المصدر النيابي نفسه اعتقاده بأن «التشاور طار الى غير رجعة، والخيارات المطروحة اليوم هي مزيد من التصعيد، قد ترافقه استقالة نواب «أمل» و«حزب الله» و«كتلة التغيير والإصلاح»، لأن الفريق الحاكم يريد إلغاء الآخرين، ويتخذ من اغتيال الرئيس الحريري «شمّاعة» للاتهام السياسي»، منتقداً «المال السياسي الذي يستخدمه آل الحريري من أيام الرئيس رفيق الحريري الى اليوم، وتحويل كل منتقد لسياساتهم شريكاً في جريمة اغتيال الحريري»، مذكّراً بتصرف مماثل بعد «جريمة اغتيال الرئيس رشيد كرامي». وأشاد بـ«حكمة النائبة بهية الحريري التي تتخذ مسافة من النائب سعد الدين الحريري»، مذكّراً بأنها «بكثير من الوعي السياسي قالت في 14 آذار: الى اللقاء سوريا».
ضمن هذه الرؤية، يدعو المصدر الى رصد التفاعلات المتوقعة على صعيد «الحوار التهديدي» بين ايران واميركا والآفاق التي يطل عليها هذا الحوار، لأنها لن تحدد المصير الاميركي في المنطقة فحسب، بل من شأنها أيضاً ان تحدد الأدوار الإقليمية لكثير من الدول، وان تضع ثوابت معينة أمام دول أخرى، من بينها لبنان الذي لا يزال يتخبط في أحداث المنطقة.
وضمن هذا «البيكار» الواسع يقف لبنان على محطة الانتظار، من دون ان يعني ذلك ان هذه المحطة لن تعج بـ«الخضّات السياسية أو الأمنية» والمواقف الارتجالية والتصعيدية لتسير العجلة الاقتصادية على وقع العجلة السياسية.