عمر نشابة
إن أي خلل قي النظام العام يستحسن معالجته ضمن إطار المؤسسات نفسها ما يرفع من قدر الدولة ويجعلها بمنأى عن أي تلطيخ بسمعتها. وبلجوئها الى القانون والدستور وتفعيل المؤسسات والتأكيد على فصل السلطات، تستطيع الدولة الديموقراطية تأمين حقوق المواطنين كاملة عبر الإشراف على المؤسسات الرسمية. يتطلّب ذلك الشفافية الإدارية أوّلاً، ثمّ الولاء الكامل للمصلحة العامّة، والبعد عن المصالح الخاصّة السياسية والمناطقية والطائفية والمادّية والايديولوجيّة.
إن مبدأ المساءلة والمحاسبة لا يقتصر على فصل السلطات الثلاث، القضائية والتشريعية والتنفيذية، بعضها عن بعض، بل يتجاوزه بضرورة فصل المؤسسات والادارات بعضها عن بعض ضمن كلّ من السلطات الثلاث. على سبيل المثال، فصل المفتشية العامة عن المديرية العامة لقوى الامن الداخلي ضمن وزارة الداخلية (السلطة التنفيذية)، وفصل التفتيش المركزي عن ادارات السلطة التنفيذية في مختلف الوزارات والمؤسسات، وفصل الادّعاء عن القضاة، والمحامين عن القضاة والادّعاء (السلطة القضائية).
ولعل الهيئة القضائية المعنية بالدرجة الأولى بحسن سير القضاء وكرامته واستقلاله وحسن سير العمل في المحاكم هي مجلس القضاء الأعلى؛ اذ إن هذا المجلس يضم أعلى القضاة مرتبة ابتداءً من الرئيس الأول لمحكمة التمييز مروراً بالنائب العام التمييزي ورئيس هيئة التفتيش القضائي، وهم جميعاً أعضاء حكميون؛ يلتئم بجانبهم أعضاء منتخبون من رؤساء الغرف في محكمة التمييز وأعضاء معينون. ويساند هذه الهيئة المناط بها بالدرجة الأولى السهر على استقلالية القضاء وحسن سير العمل فيه، هيئة يكون لها صلاحية التحقيق والتفتيش مع القضاة وموظفي الأقلام التابعين لهم. هذه الهيئة هي هيئة التفتيش القضائي. اذ إن أي عمل من الأعمال القضائية، أكانت أعمالاً قانونية ام قلمية، تكون خاضعة لرقابة هذه الهيئة بالاستناد الى أي شكوى ترد الى رئيس التفتيش مباشرة او عن طريق وزير العدل.
إن الاحتكام الى مبدأ المحاسبة لا يعني فرض قيود على الموظفين والقضاة والعسكريين بل يقتضي التأكد من حسن سير العمل وتصحيح الأخطاء. ومن منّا ومن السادة القضاة معصوم عن الخطأ؟